الخرطوم | تتسارع وتيرة الأحداث في السودان، في ظلّ تصاعد الاحتجاجات الشعبية الرافضة للانقلاب، وتجاوزها السقف الذي حدّدته «قوى الحرية والتغيير» بعودة الأمور إلى نصابها إلى ما قبل 25 تشرين الأول. في المقابل، يمضي قادة الانقلاب في سعيهم إلى تثبيت سلطتهم الجديدة، باحثين عن رئيس وزراء للحكومة المقبلة، بعدما باءت محاولات قائد الجيش، عبد الفتاح البرهان، إقناع رئيس الوزراء المعزول، عبدالله حمدوك، بالعودة إلى منصبه بالفشل، جرّاء تمسّك الأخير بعودة طاقمه الحكومي كاملاً، وإطلاق سراح الوزراء المعتقلين، واستعادة العمل بالوثيقة الدستورية الحاكمة للمرحلة الانتقالية. وعلى خطّ موازٍ، تتّسع دائرة العنف المستخدَم بحقّ المتظاهرين في ما يبدو محاولة لإرعاب الشارع، حيث ارتفع عدد القتلى حتى الآن إلى نحو 31، فضلاً عن عشرات الجرحى والمفقودين والمختفين والمعتقلين، وهو ما يدفع القوى الثورية و«لجان المقاومة» إلى اعتبار أيّ عودة للشراكة مع العسكر تورّطاً في الدماء. وفي هذا الإطار، يعتقد الباحث السياسي والأكاديمي عثمان عبد الباري، في تصريح إلى «الأخبار»، أن ما يحدث من توظيف للعنف هدفه «توطيد أركان الانقلاب، وبالتالي فرض الأمر الواقع على الجميع»، مستدركاً بأن هذا الخيار «لن ينجح إلّا مؤقّتاً، ففي ظلّ استمرار الفعل الثوري والضغط الخارجي، قد ينهار التحالف الانقلابي قبل أن يتمكّن من بناء نظام سياسي منسجم وموحّد».في هذا الوقت، أوفدت الإدارة الأميركية مساعِدة وزير الخارجية للشؤون الأفريقية، مولي فيي، إلى الخرطوم، كأوّل مسؤول أميركي رفيع المستوى يزور البلاد في ظلّ إدارة جو بايدن. وتخلّلت الزيارةَ التي لم يرشح عنها سوى القليل، لقاءاتٌ مهمّة مع قائد الجيش، ورئيس الوزراء رهين الإقامة المنزلية الجبرية، وعدد من قادة العمل السياسي على رأسهم وزيرة الخارجية المعزولة، مريم الصادق المهدي، كعضوة أيضاً عن «حزب الأمّة القومي»، أكبر حزب سياسي في البلاد يناهض الإجراءات الانقلابية. وفيما تحدّثت البيانات الرسمية السودانية عن تأكيد البرهان للمسؤولة الأميركية أن خطوات الإفراج عن المعتقلين السياسيين قد بدأت، وأن الحكومة المدنية ستُشكّل قريباً، ذكرت السفارة الأميركية في الخرطوم، في بيان، أن فيي أظهرت «دعم الولايات المتحدة للحكومة الانتقالية التي يقودها المدنيون».

خيارات البرهان
تعتقد الصحافية والباحثة السياسية، أفراح تاج الختم، أن «مرحلة جديدة من الصراع الطويل بين العسكريين والمدنيين قد دُشّنت، وهذا ما تدلّ إليه كلّ المؤشرات الماثلة». وتضيف تاج الختم، في تصريح إلى «الأخبار»، أن «قائد الجيش سيذهب بعيداً، ويسمّي رئيساً للوزراء بعد أن رفض عبدالله حمدوك العودة إلّا بشروط من شأنها إجهاض كلّ الخطوات والقرارات التي أصدرها البرهان منذ إعلانه عن انقلابه»، متابعة أن البرهان «سيمضي قدماً في تشكيل حكومته وتحمُّل تبعات ذلك من مواجهات مع أنصار الدولة المدنية الديمقراطية، وإجراءات عقابية محتملة من قِبَل المجتمع الدولي والولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي، من شأنها إدخال البلاد في حالة من الفقر والمجاعات وربّما هبّات جوعى وتمرّدات مسلحة جديدة».
أبرز مرشّحي قادة الانقلاب لرئاسة الحكومة الجديدة، الأكاديمي هنود أبيا كدوف


وفي هذا الصدد، فإن أبرز مرشّحي قادة الانقلاب لرئاسة الحكومة الجديدة، هو الأكاديمي هنود أبيا كدوف (77 عاماً)، الذي لا يُعرف حتى اللحظة ما إذا كان قد وافق بالفعل على تولّي المنصب أم لا. وتعتبر تاج الختم أن «هنود أبيا كدوف سيخاطر مخاطرة كبرى بالموافقة على المنصب»، مُبيّنة أنه «سيجد نفسه أمام رفض خارجي، وأمام ملفّات داخلية شديدة التعقيد والتشابك، أهمّها مواجهة الأوضاع الاقتصادية المزرية في ظلّ سيطرة الجيش وقوات الدعم السريع على الاقتصاد الوطني برمّته، ورفضهما الخضوع لولاية الحكومة المدنية ممثّلة في وزارة المالية والاقتصاد، فضلاً عن إعادة قائد الجيش لفلول النظام السابق من كوادر جماعة الإخوان المسلمين إلى جهاز الدولة حيث فرضوا هيمنتهم عليه مجدّداً، وهؤلاء يمثّلون القوة الأكثر تنظيماً وفساداً وقدرة على إعاقة خطط وبرامج الحكومة المحتملة».

تحدّيات داخلية وخارجية
بدوره، يرى عبد الباري أن رئيس الوزراء الجديد، سواءً كان هنود أبيا كدوف، المرشّح الأكثر حظاً، أو غيره، «سيواجه جملة من المعوقات، بما فيها قرارات الاتحاد الأفريقي ودول الترويكا والاتحاد الأوروبي ومجلس حقوق الإنسان، والكونغرس الأميركي، وكلّ الدول والمؤسسات المالية كالبنك والصندوق الدوليين، التي تعترف بشرعية عبدالله حمدوك كرئيس للوزراء، وتطالب بعودته». ويضيف عبد الباري أن أيّ مرشّح سيواجه أيضاً مشاكل داخلية مثل «قضية شرق السودان المعقّدة والمرتبطة باتفاق جوبا من ناحية، وبالمجلس القبلي الموالي لعبد الفتاح البرهان، الذي قاد الاحتجاجات الأخيرة وأغلق الموانئ والطريق الرئيسة الرابطة بين العاصمة والميناء، وخنق اقتصاد البلاد وتسبّب في أزمات وخسائر تُقدَّر بملايين الدولارات لاقتصاد البلاد». ويلفت، في هذا السياق، إلى أن «المجلس القبلي يطالب بإلغاء ما يُعرف بمسار الشرق في اتفاقية جوبا للسلام، والذي أيّد الموقّعون عليه الانقلاب أيضاً، فأصبحوا في صفّ واحد مع مناوئيهم، ما جعل البرهان نفسه يعجز عن تسمية ممثّل شرق السودان في مجلسه السيادي الجديد، واضطرّ إلى إرجائه من أجل إخضاعه إلى المزيد من المشاورات». ويشير الباحث السياسي إلى أن هنود أيا كدوف «لا يحظى بدعم الشارع ولا الأحزاب السياسية ولا القوى المدنية والنقابية، كما أنه لم يُعرف عنه نشاط سياسي ملموس، وهو يفتقر إلى كاريزما القيادة، فضلاً عن أنه مجهول بالنسبة إلى معظم السودانيين»، معتبراً أن «وجود رئيس وزراء على هذه الشاكلة، يتناسب مع أجندة الانقلاب التي تطمح إلى السيطرة الكاملة على مقاليد الحكم والعودة بها إلى الديكتاتورية والاستبداد».