غزة | انقضت أربعة عشر عاماً من الانتظار، وليس لخطيبة الأسير سامي العمور اليوم، إلّا الدموع. فخبر استشهاده أنهى مسلسلاً طويلاً من احتساب الأيّام والشهور والسنوات. «بقيَت خمسة أعوام فقط على لمّ الشمل (...) الآن، كلّ شيء انتهى: لهفة اللقاء، الزفاف وسط العائلة، تأسيس بيت العمر، التعويض عن 19 عاماً من الغياب، أحلام اليقظة، وأمنيات المساء التي كان يتركها صوته، كلّ شيء انتهى». تستلّ خطيبته الكلمات من وسط الدموع، وتُكمل: «كنت أعيش على أمل لقائه من جديد... انطفأت أحلامي». خطيبة الأسير العمور (39 عاماً)، التي التقيناها وهي محاطة بجموع المعزّين الذين أمّوا بيت العائلة في مدينة دير البلح (وسط قطاع غزة)، تحدّثت إلينا وهي تمسك بهاتفها المحمول. باتت ليلتها في انتظار أن تستيقظ على اتصالٍ هاتفي من خطيبها يطمئنها إلى صحته. تقول في حديثها إلى «الأخبار»: «تحدّثْت معه ليلة أمس، وكان صوته مجهَداً، قال لي لا أستطيع الكلام، أبلغي سلامي لأحبابي وعائلتي، قولي لهم أنا بخير». الشهيد العمور كان قد اعتُقل وشقيقه المحرَّر حمادة في 1/4/2008 على يد قوّة إسرائيلية خاصّة، بعد أن حاصرت منزله الكائن شرق مدينة دير البلح، ووجّهت إليه تهم تقديم المعلومات والمساعدات اللوجستية إلى عناصر المقاومة، وحكمت عليه بالسجن 19 عاماً، فيما أطلقت سراح شقيقه العام الماضي بعد أن أمضى 12 عاماً في سجونها. روايات كثيرة سيقت حول ظروف استشهاد سامي؛ فوفق بيان أصدرته الحركة الوطنية الأسيرة في سجون الاحتلال، فإن الشهيد ارتقى نتيجة سياسة الإهمال الطبي المتعمّد، إذ تدهور وضعه الصحي، فطالب رفاقه الأسرى بنقله إلى المستشفى، لكنّ الاحتلال أبقاه معزولاً في قسم خاص يدعى «المعبار» مدّة 14 ساعة، قبل نقله إلى «مستشفى سوروكا». وأشار البيان إلى أن العمور خضع لعملية جراحية متأخّرة لم تفلح في إنقاذ حياته، فهو يعاني أساساً من مشاكل خَلْقية في القلب، تضاعفت خلال عامه الأخير نتيجة عدم تلقّيه الرعاية الصحية اللازمة. لكنّ منتصر الناعوق، وهو الناطق باسم «جمعية واعد للأسرى»، نقل عن مصادر في الحركة الأسيرة مطّلعة على وضع الأسير الصحي، أن العمور كان يعاني من مرض السرطان الذي تفشّى في أنحاء جسده كافة، «فيما زادت أوضاعه الصحّية خطورة بسبب رفض الاحتلال إجراء فحوص طبية له». وبحسب الناعوق، فقد نُقل سامي إلى المستشفى قبل يوم واحد من استشهاده، بينما لم تُفلح العمليات الجراحية المتأخّرة في إنقاذ حياته.
ينضمّ الشهيد العمور إلى قافلة شهداء الحركة الأسيرة الذين وصل عددهم إلى 227 شهيداً


الأسير جميل عنكوش، الذي التقى الأسير العمور في سيارة نقل الأسرى، أدلى بدوره بشهادته التي أكد فيها أن الاحتلال أقدم على قتل العمور عبر التلكّؤ والتباطؤ في إجراءات نقله إلى المستشفى، على رغم خطورة وضعه الصحّي. وبعدما احتجّ عنكوش على «المعاملة القاسية والمستفزّة» التي تعرّض لها رفيقه، تمّ قمعه والتنكيل به فور عودته من «البوسطة» إلى «سجن ريمون». أمّا حمادة العمور، وهو شقيق الشهيد، فقد أفاد، في حديثه إلى «الأخبار»، بأن أخاه «لم يكن يعاني من مشكلات صحّية خطيرة قبل اعتقاله، لكن خلال العامين الماضيين، بدأت صحّته تتراجع، وتسبّب الإهمال الطبي وعدم التعاطي مع حالته الصحّية باهتمام من قِبَل الاحتلال، بتدهور أوضاعه». وأضاف: «أثّرت معاملة الاحتلال لشقيقي على حالته النفسية، إذ حُرمت أسرته من زيارته، فخلال 14 عاماً من اعتقاله لم يُسمح لوالدي بزيارته سوى ثلاث مرّات».
وينضمّ الشهيد العمور إلى قافلة شهداء الحركة الأسيرة، الذين وصل عددهم إلى 227 شهيداً، قضى 72 منهم بسبب سياسة الإهمال الطبي. وفي هذا الإطار، يلفت القيادي في «حركة الجهاد الإسلامي»، طارق عز الدين، إلى أن «مصلحة إدارة السجون تتعامل مع الأسرى بشكل وحشي، ولا تتعاطى مع مرضهم بجدّية، إذ إن أكثر ما يمكن أن يحصل عليه الأسير الذي يعاني أمراضاً مزمنة، هو الحبوب المسكّنة». ويوضح عز الدين، وهو أسير محرَّر، أن «المحطّة الأولى التي يُنقل إليها الأسرى المرضى هي عيادة السجن، وهناك، يُترك الأسرى فيها دون أن يلتفت إليهم أيّ من الأطباء رغم تفرّغهم، ويتعامل الأطباء باستعلاء ووحشية مع الأسرى، حيث الفحص شكلي، ولا يقدّم أي فائدة للمرضى، حتى إن الأسير يتمنّى لو أنه لم يذهب إلى عيادة السجن بسبب المعاملة الجلفة والإساءات اللفظية».
ووفقاً لـ«مركز فلسطين لدراسات الأسرى»، فقد تصاعدت خلال الأعوام الأخيرة أعداد الأسرى المرضى، خصوصاً المصابين بأمراض خطيرة مِن مِثل السرطان والجلطات القلبية والسكري، فيما يفتقر هؤلاء إلى الكشف الصحي الدوري أو المبكر، ما يتسبّب باكتشاف تداعيات خطيرة لديهم في فترة متأخّرة من إصابتهم بالمرض. ويفيد رياض الأشقر، وهو مدير المركز، بأن أعداد الأسرى الذين يعانون من أمراض مزمنة ارتفعت إلى 600 أسير، 130 منهم يعيشون أوضاعاً صحّية حرجة، وتتعاطى معهم مصلحة إدارة السجون باستهتار وتُماطل في إجراءات علاجهم. ويتابع الأشقر: «يدقّ ما حدث مع الأسير العمور ناقوس الخطر، حول حياة مئات الأسرى المرضى، وخمسة أسرى مضربين عن الطعام، تتدهور صحتهم بشكل مستمرّ». من جهتها، نعت فصائل المقاومة الفلسطينية الشهيد العمور في بيانات منفصلة، وأكدت أنها تنظر إلى الحادثة على أنها «جريمة قتل متعمّدة». ووصفت «حركة المقاومة الإسلامية» (حماس) استشهاد العمور بأنه «جريمة بحق الإنسانية وانتهاك لكلّ القيم والقوانين الدولية». وقال حازم قاسم، الناطق باسم الحركة، في بيان، إن «ارتفاع عدد شهداء الحركة الأسيرة داخل السجون الصهيونية، يعكس حجم انتهاكات الاحتلال بحق الأسرى بشكل عام، والأسرى المرضى بشكل خاص».
يُذكر أن عدد الأسرى في سجون الاحتلال بلغ حتى نهاية شهر تشرين الأول، نحو 4650 أسيراً، بينهم 34 أسيرة، ونحو 160 طفلاً.