الرباط | بينما يعيش الشارع المغربي احتقاناً على خلفية غلاء الأسعار، زاد اعتزام الحكومة فرض «جواز التلقيح» كشرط للسفر ودخول المؤسّسات العامة، الوضع تأزّماً، إذ تتصاعد الاحتجاجات على هذا التوجّه، على الرغم من أن الحكومة لم تُصدر بعد قراراً رسمياً في شأنه، واكتفت ببلاغات نشرتها وسائل إعلام رسمية حول الموضوع. وبينما انتقدت منظّمات حقوقية من بينها «الجمعية المغربية لحقوق الإنسان» خطوة الحكومة، وقّع آلاف المغاربة، ومن بينهم مثقفون وجامعيون وشخصيات حقوقية ووطنية، عريضة رافضة لها. وإن كان إلغاء جواز التلقيح هو المطلب المباشر للمغاربة المحتجّين، فإن شعارات الحركة الاحتجاجية تجاوزت ذلك لتشمل أيضاً رفض غلاء الأسعار وتفشّي الفساد، والمطالَبة بالإصلاحات في مجالَي الصحّة والتعليم، بالإضافة إلى إطلاق الحريات العامة المحاصَرة منذ سنوات.وفي هذا السياق، تُبيّن نبيلة منيب، النائبة في البرلمان المغربي والأمينة العامة لـ«الحزب الاشتراكي الموحّد»، أن «الاحتجاجات اندلعت أوّلاً مع الأساتذة المتعاقدين، ثمّ ذوي الإعاقة من المكفوفين الذين طالبوا بتحسين أوضاعهم، لتأتي إثر ذلك مسألة جواز التلقيح بالتزامن مع الاحتقان نتيجة غلاء المعيشة وارتفاع أسعار البنزين والغاز». وتضيف منيب، في تصريح إلى «الأخبار»، أن «المغاربة يحتجّون من أجل العيش الكريم، وبسبب ضرب حقوقهم وحرّياتهم، ودفاعاً عن حقهم في الاحتجاج السلمي». وقبل أكثر من عام، فرضت السلطات المغربية «حالة الطوارئ الصحّية»، ما تسبّب بـ«حالة طوارئ سياسية» نتج منها منع التظاهر والتجمهر، عدا بعض التحرّكات دعماً لمعتقلي الرأي، والتي لم يستجب لها إلا العشرات، خاصة أمام مبنى البرلمان في الرباط أو أمام محكمة الاستئناف في الدار البيضاء.
كشفت الاحتجاجات الأخيرة زيف الحديث عن شعبيّة «الحكومة الواجهة»


وأعادت تظاهرات الأيام الأخيرة، وخاصة يوم الأحد الماضي، المغربيين إلى حراك الشارع الذي انقطع منذ حركة 20 شباط 2011، وهو ما قد يفتح الباب مجدّداً على تصاعد الحركة الاحتجاجية، وصولاً إلى إجبار الحكومة، التي لا تريد فتح نقاش بخصوص قراراتها، على الاستقالة. وفي هذا الصدد، تؤكد منيب أن «الحكومة بفرضها جواز التلقيح، تفرض التلقيح ضدّ كورونا ولا تترك مجالاً للنقاش»، مضيفة أنه من «الإجحاف اشتراط أخذ الجرعة الثالثة على رغم أنه لا اكتظاظ في المستشفيات أو في غرف الإنعاش، وتكفي الاحترازات العادية للتحكّم في الوباء وتراجعه». والجدير ذكره هنا أن قرار منع غير الحاملين لجواز التلقيح من دخول المؤسسات العمومية، طاول النائبة نفسها، التي تقول في تصريحها إلى «الأخبار»: «لقد مُنعت شخصياً من دخول البرلمان على رغم استظهاري بشهادة تثبت سلامتي من الفيروس، وأنني لا أشكّل خطراً على الآخرين، واضطررت لأن أقدّم قراءة الحزب الاشتراكي الموحّد مكتوبة، وفي كلّ هذا تجاوز للدستور والقوانين والنظام الداخلي للمجلس النيابي».

فضاءات التعبئة
لم تتجاهل وسائل الإعلام التقليدية الاحتجاجات تماماً، وخصّصت لها حيّزاً، بيد أن التعبيرات الحقيقية عن هذا الحراك تمظهرت في مجموعات التواصل الاجتماعي، وخصوصاً «فيسبوك»، حيث وُجّهت الانتقادات بشكل مباشر وصريح إلى الحكومة، وقاد النقاشَ نشطاء وحقوقيون من بينهم الناشط الحقوقي، خالد البكاري، الذي يلفت إلى أن قرار فرض «جواز التلقيح» تزامن «مع موجة غلاء متصاعدة، وتسريحات للعمال بسبب تداعيات جائحة كورونا، ولذا تحوّلت هذه الاحتجاجات إلى تنديد بالغلاء وتدهور دخل العائلات، ووصلت إلى حدّ المطالبة بإسقاط الحكومة، على رغم أنه لم يمرّ على تشكيلها سوى ما يقارب الشهر». ويشير البكاري، في حديث إلى «الأخبار»، إلى أن «السلطة المغربية اكتسبت تجربة في مواجهة هذه الاحتجاجات العفوية، عبر اعتقالات متفرّقة وإنهاك الاحتجاجات وغياب محاورين يمثّلونها لدى السلطة». ولذا، فهو يشكّك في إمكانية استمرار الاحتجاجات حالياً، لكنه يعتقد أن أهميتها تكمن في تعبيرها «عن قابلية المجتمع المغربي للانتفاض حين تُمسّ مصالحه». ويعتبر البكاري أن «هذه الحركات العفوية إذا توالت، يمكن أن تفرز مستقبلاً حركة اجتماعية منظّمة وأكثر قوة قد تقلب المشهد السياسي»، مضيفاً أن «تشكّل قوة جديدة من رحم الاحتجاجات سيتمظهر في شكل قوة راديكالية جديدة بمرجعية اجتماعية قريبة من الحركات الاجتماعية التي بدأت تتقوّى في العديد من بلدان العالم كبديل من القوى الكلاسيكية».
وكشفت الاحتجاجات الأخيرة زيف الحديث عن شعبيّة «الحكومة الواجهة» التي تُعدّ اليد التنفيذية للسلطة الأعلى المتمثّلة في الملك، وتجلّياً لأوليغارشيا متنفّذة كانت تتموقع سابقاً في بعض المفاصل، ولكنها اليوم تدير أهمّ موقع في البلاد عبر عزيز أخنوش، رئيس الحكومة والرجل الأكثر ثراءً في المغرب. وعلى ضوء التوتّر الذي تعيشه البلاد مع الجارة الشرقية الجزائر، وفي ظلّ التصعيد المتبادَل بين الجانبَين، بات المغرب في مواجهة أزمة مزدوجة: داخلية وخارجية. وإن كانت سيناريوات ردّ فعل السلطة المغربية داخلياً متعدّدة، فإن مراقبين يرجّحون أن تتواصل الاحتجاجات، وأن تدفع حدّتها إلى إجراءات لتسكين الأجواء وإخماد التظاهرات مرحلياً، من أجل التفرّغ للجبهة الخارجية مع الجزائر.