الخرطوم | يتنافس الانقلابيون السودانيون وخصومهم السياسيون على كسب تأييد الشارع وثقته، كلّ تحت شعار «حماية الثورة وإتمام عملية الانتقال الديمقراطي»، فيما يبدو الشارع أكثر ميلاً إلى القوى الثورية، التي ترفض - إلى الآن - تكرار تجربة الشراكة مع العسكر. ويغلب على التظاهرات الشعبية الرافضة للانقلاب شعار «لا تفاوض، لا مساومة، لا شراكة مع العسكر»، في ظلّ قناعة بأن تفريط القوى السياسية بمكتسبات حراك 2018، وتهاونها في التفاوض مع المجلس العسكري منذ حزيران 2019 عقب فضّ اعتصام القيادة العامة، هو ما أفضى أخيراً إلى الانقلاب على السلطة المدنية. وفي هذا الإطار، يعتقد أحمد عبدالله، أحد أفراد «لجان المقاومة» في مدينة أم درمان، أن «الشارع فقد الثقة في قوى الحرية والتغيير، لأنها تلكّأت في تشكيل هياكل الفترة الانتقالية وتحقيق العدالة الانتقالية، ومنحت العسكر الفرصة للانقضاض على الثورة»، متسائلاً عمّا «إذا كانت تلك القوى، في حال منَحها الشارع ثقته مرّة أخرى، ستُقدم على إجراء نقد ذاتي ومراجعات علنية لأدائها خلال العامين الماضيين». ويستدرك عبدالله، في حديثه إلى «الأخبار»، بأن «القصور الذي رافق أداء الحرية والتغيير لا يعطي قطعاً الحق للعسكر في الانقلاب على الثورة»، قائلاً: «ليس من حق العسكر ممارسة وصاية على الشارع وعلى الثورة، وما حدث اختطاف للثورة ولما صنعه الشباب بدمائهم»، معتبراً أنه «إذا كانت المؤسسة العسكرية حريصة على عدم انزلاق البلاد نحو الفوضى والتشرذم، فيجب عليها تقديم بديل للمجموعة الموجودة الآن في قيادة القوات المسلحة». وفي السياق نفسه، لقي إعلان أكثر من 25 حزباً سياسياً، على رأسها «التجمّع الاتحادي» و«الأمّة القومي» و«المؤتمر»، قبل أيام، تكوين «جبهة وطنية واسعة لمواجهة الانقلاب»، استنكاراً واسعاً من قِبَل «تجمّع المهنيين السودانيين» والقوى الثورية، بالنظر إلى مطالبة البيان الصادر عن تلك الأحزاب بالعودة إلى الوثيقة الدستورية، أي إلى الشراكة مع العسكر مرّة أخرى. على أن القوى السياسية لا تبدو في موضع يمكّنها من المجاهرة برفض التفاوض مع العسكر، على اعتبار أنها لا تريد معاكسة «المجتمع الدولي» الذي يطالب بإحياء «الوثيقة الدستورية»، وإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل 25 تشرين الأول. وفي هذا الإطار، يلفت المحلل السياسي، حاج حمد، إلى أن «قوى الحرية والتغيير هي طرف مُوقّع على الوثيقة الدستورية، ولا يمكن كسب تأييد المجتمع الدولي في حال الانسلاخ من الوثيقة، حينها لن يكون هناك فرق بينها وبين البرهان». ويَعتبر حمد، في حديثه إلى «الأخبار»، أن «الشارع وسيلة فعّالة لتغيير المعادلة، لكنها وسيلة النفَس الطويل»، مضيفاً أن «الشارع نجح إلى الآن في تعميق عزل العسكر»، مُتوقّعاً فشل الانقلابيين في «معالجة أزمة البلاد الاقتصادية، خصوصاً في حال إعادة العقوبات على السودان، بالإضافة إلى أن التركيبة الذهنية للعسكر وافتقارهم إلى الأفق السياسي لن يمكّناهم من إيجاد حلول لأزمات اقتصادية متراكمة منذ ثلاثة عقود».
في هذا الوقت، لا تزال قرارات قائد الجيش، عبد الفتاح البرهان، وخطواته، وآخرها عقد أوّل اجتماع للمجلس السيادي الجديد الذي شكّله برئاسته، تُقابَل برفض داخلي وتحفّظ خارجي، فيما يحافظ قادة الحركات المسلّحة الشريكة في المجلس، وعلى رأسهم الطاهر حجر والهادي إدريس ومالك عقار، على تماهيهم مع البرهان، على رغم أن حركاتهم ظلّت طيلة ثلاثة عقود في حالة عداء مع الجيش. وإذ يستغرب متابعون قبول هؤلاء بإجراءات قائد الجيش مقابل حصولهم على مناصب في الدولة، فإنهم يُحمّلون المسؤولية عن ذلك للحكومة المدنية، التي تركت ملفّ التفاوض مع الحركات المسلّحة للمكوّن العسكري، وهو ما أتاح فرصة للأخير لمقايضة تلك الحركات وضمان ولائها في أيّ محطّات سياسية مقبلة، الأمر الذي تجلّى بالفعل في الحدث الأخير، بحسب ما تؤكده مصادر مطّلعة.