أضحى مسار الانتخابات الليبية المقرَّرة في 24 كانون الأول المقبل، محلّ شكّ، حتى مع إعلان القوى الدولية المشاركة في مؤتمر باريس، الجمعة الماضي، دعم إجراء الانتخابات في موعدها. وإذ يبدو أن المؤتمر فشل في إقناع روسيا وتركيا بضرورة دعم المسار الانتخابي وفق الخارطة الموضوعة أممياً، سُجّل توافق ضمني بين فاعلين ليبيين حول حتمية تأجيل الانتخابات، وهو ما يدلّل عليه إعلان رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، ورئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة، استعدادهما لتسليم السلطة، فقط في حال نجحت المفوضية في إجراء الانتخابات في موعدها، بينما يصرّ عدد من أعضاء مجلس النواب على طلب تأجيل الاستحقاق باعتبار الأخير تهديداً للاستقرار الحالي، مبرّرين ذلك برفض بعض الأطراف المحتمل للنتائج، ما قد يؤدّي إلى تجدّد المعارك العسكرية في البلاد. وكشفت مصادر مطّلعة، لـ«الأخبار»، وجود «سعي لتعديل القانون الانتخابي، بحيث تتزامن وفق النص الجديد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، خلافاً لما نصّ عليه القانون الذي أقرّه مجلس النواب الليبي، والذي يقتضي شهراً فاصلاً بين الاستحقاقَين»، وهو ما أبدت المفوضية مرونة تجاهه. وأضافت المصادر أن «التقارير الاستخباراتية وتقديرات الموقف تؤكد شبه استحالة إجراء الانتخابات البرلمانية بعد شهر من الرئاسية، في ظلّ التشكيك المتوقّع في نتائج الانتخابات والعملية بأكملها»، مشيراً إلى وجود «حراك دولي، خاصة من إيطاليا وفرنسا والولايات المتحدة بالإضافة إلى مصر، من أجل الوصول إلى حلّ جذري» لهذه المسألة. وتُواصل مفوضية الانتخابات إجراءاتها بشكل اعتيادي على جميع المستويات، حيث مضت في استقبال طلبات المرشّحين، وتسليم بطاقات الاقتراع للمواطنين المسجّلين، مع استمرار الإعلان عبر صفحتها على «تويتر» ووسائل الإعلام المحلية عن ضوابط الترشّح وشروطها. وبحسب التقرير اليومي والتراكمي لعملية تسجيل المرشّحين، فقد بلغ إجمالي عدد المترشّحين لانتخابات مجلس النواب في كلّ الدوائر الانتخابية 601، بحسب الإحصائية الصادرة يوم الأحد.
تشكّل مسألة المرتزقة مصدر قلق كبير بالنسبة إلى الأطراف الدولية الراغبة في إجراء الانتخابات


في هذا الوقت، قدّم سيف الإسلام القذافي، نجل الرئيس الراحل معمر القذافي، أوراق ترشّحه للانتخابات رسمياً، في مكتب الإدارة الانتخابية في مدينة سبها جنوبي البلاد، وسط احتفاء من أنصاره. ويُعدّ ظهور القذافي، الذي يقيم في مكان مجهول منذ سنوات، ثاني ظهور علني له بعد حوار مع صحيفة «نيويورك تايمز» أعلن خلاله رغبته في الترشّح والعودة إلى الحياة السياسية. ويحظى الرجل بدعم من بعض الأطراف العربية ولكنه ليس خيارها الوحيد، فيما يُعتبر ثاني مرشّح في الانتخابات الرئاسية، بعد إعلان المفوضية قبول أوراق مرشّح واحد فقط الأسبوع الماضي لم تَكشف عن هويته، فيما رجّحت وسائل إعلام محلّية أن يكون رجل الأعمال عبد الحكيم بعيو. ولم تكد تمرّ سويعات إثر تقديم سيف الإسلام ترشّحه، حتى راسل المدّعي العام العسكري في طرابلس، رئيس مفوضية الانتخابات عماد السايح، مطالباً إيّاه بإيقاف إجراءات ترشّح نجل القذافي واللواء المتقاعد خليفة حفتر إلى حين امتثالهما للتحقيق. ويواجه القذافي الابن وحفتر، الذي يعتزم تقديم ترشّحه في الأيام المقبلة، تهماً متعلقة بجرائم وأفعال مستوجبة للجزاء القانوني. وفي هذا السياق، أكد محامي سيف الإسلام أن موكله مطلوب لـ«المحكمة الجنائية الدولية» بالفعل، لكن لم تَصدر بحقّه بعد أحكام نهائية تمنعه من خوض الانتخابات المقرّرة الشهر المقبل. وتفيد تقارير إعلامية ليبية بأن حفتر يعتزم تقديم أوراق ترشّحه وسط موكب مهيب بترتيب من أنصاره، بغاية استعراض الدعم الذي يحظى به في الشارع.
من جهة أخرى، من المفترض أن يُجري وفد من اللجنة العسكرية «5+5» زيارتَين إلى كلّ من تركيا وروسيا خلال الأيام المقبلة، لبحث مسألة إخراج المرتزقة بشكل تدريجي خلال الفترة المقبلة. وفي هذا الإطار، تتمسّك تركيا ببقاء قوّاتها داخل ليبيا بموجب الاتفاق العسكري المُوقَّع بين الحكومة التركية والحكومة الليبية السابقة برئاسة فايز السراج، رافضةً مقارنة ما تعتبره تواجداً شرعياً لقواتها بتواجد قوات «فاغنر» الروسية أو أيّ قوات عسكرية أخرى. وتشكّل مسألة المرتزقة مصدر قلق كبير بالنسبة إلى الأطراف الدولية الراغبة في إجراء الانتخابات، بالنظر إلى أعدادهم الكبيرة المُقدَّرة بقرابة 20 ألفاً، والتي تغذّي مخاوف من تحرّكات منظّمة لهم قد تفسد العملية الانتخابية يوم الاقتراع.