بغداد | لا يخفي «الحزب الديمقراطي الكردستاني» أبداً، لا طموحاته الانفصالية، ولا رغبته في توظيف وضْع المنطقة الكردية في الصراع الإقليمي لتحقيق هذا الهدف. لكنه صار يعتقد، بعد الانتخابات التي حلَّ فيها أوّلاً بين الأحزاب الكردية بتحقيقه تقدُّماً ملحوظاً، بوجود نافذة فرصة للوصول إلى غايته هذه بمؤازرة قوى إقليمية ودولية لديها مشاريع تقسيمية للعراق، وخاصة الولايات المتحدة وإسرائيل والسعودية والإمارات. وعلى رغم أنه لم يَعُد إلى ذكر الموضوع منذ أن أصبح نائباً للرئيس باراك أوباما في عام 2009، طرح الرئيس الأميركي، عضو مجلس الشيوخ في حينه جو بايدن، عام 2007، تقسيم العراق إلى ثلاثة كانتونات (شيعي وسني وكردي)، على غرار ما طُبِّق في البوسنة والهرسك، محاججاً بأن البوسنيين لم يعيشوا في سلام إلّا بعد تقسيم البلد بينهم وبين كروات وصرب البوسنة.ويقول القيادي في «الحزب الديمقراطي الكردستاني»، ريبين سلام، في حديث إلى «الأخبار»، إن «علاقة الإقليم مع بغداد ما بعد الانتخابات وقبلها أيضاً، مبنيّة على سياسة حكومة الإقليم، وهي التفاوض والطاولة المستديرة وحلحلة وتصفير جميع النقاط العالقة بيننا»، موضحاً رغبة الحزب - الساعي إلى الاستفادة من نتئاج الانتخابات - في أن يتمّ «إنتاج حكومة تتمتّع بتأييد ودعم وطنيَّيْن»، ولا سيما أن «الحكومات الإقليمية والدولية، بشكل عام، تريد إبرام العقود مع حكومة دائمة مدعومة من قِبَل الشعب، صاحب الإرادة الأصلية الرسمية». وهذا يعني أن الحزب الذي فاز بـ33 مقعداً في مجلس النواب المكوّن من 329 مقعداً، يريد الانضمام إلى حكومة أغلبية مع القوى الفائزة، وخاصّة «التيار الصدري» الذي حاز 73 مقعداً، وحزب «تقدّم» (محمد الحلبوسي) الذي نال 38 مقعداً، إضافة إلى كتل صغيرة أخرى، على رغم أن مساعي تشكيل حكومة إقصائية كهذه، أدَّت بالفعل إلى هزّات أمنية خطيرة. وبحسب سلام، فإن «وفداً من الحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني زار بغداد، ليس للاتفاق على شكل الحكومة، ولكن لجسّ النبض واستطلاع الرأي، وليستجمع الآراء المختلفة للإخوة السنة والشيعة. وجرى الاتفاق على أن المشهد العراقي يقتضي أن تكون هناك ولادة سريعة لهذه الحكومة، وأن يُصار إلى احترام نتائج الانتخابات... سيتم إرسال وفود جديدة، ونستقبل وفوداً من بغداد إلى حين تشكيل الحكومة». ويرى القيادي الكردي أن هناك حاجة إلى أن يكون «رئيس الوزراء مقبولاً من قِبَل جميع الجهات العراقية؛ فوضْعُ البلد خاصّ جداً، والتجارب التي مرّ بها، بيّنت أن اختيار الرئيس يجب أن يستند إلى معايير التوازن والتوافق والشراكة الحقيقية».
يطالب «الحزب الديمقراطي» بثلاثة أثلاث معطّلة لكل من الأكراد والسُّنّة والشيعة في الحكومة المقبلة


يريد «الديمقراطي»، إذاً، مشاركةً كردية فاعلة في الحكومة المركزية، ليس على غرار مشاركة الأكراد منذ الزمن الملكي في الحكومات العراقية، حين كان حضورهم شكليّاً، ولم يكونوا مشاركين حقيقيين في صنْع القرارات. وفي أوضح إشارة إلى الرغبة في التقسيم، دعا سلام إلى منْح أثلاث معطّلة لكلٍّ من الأكراد والسُّنّة والشيعة في الحكومة المقبلة، وهو ما ينسجم تماماً مع مقترح بايدن السالف، قائلاً إن العراق «لن يشهد استقراراً، إلّا عند تطبيق مبدأ الثلث المعطّل في القرارات المهمّة». كما طالب القيادي الكردي بـ»تطبيق النصوص الدستورية لسنة 2005، وخاصّة المادة 140 التي كان من المفترض تنفيذها منذ 31 كانون الأول 2007»، مضيفاً: «(إننا) منذ ذلك الحين، نطالب بتطبيقها على ثلاث مراحل: التطبيع والإحصاء ومسألة الاستفتاء، ولكن مع الأسف لم يتم تنفيذ إلّا ما بين 10% إلى 15% من التطبيع، ولم يتم الإحصاء ولا الاستفتاء حتى نعلم إرادة هذه المناطق، هل تريد الانضمام إلى حكومة الإقليم، أم إلى الحكومة المركزية؟». ويشير سلام بذلك خاصّة إلى مدينة كركوك المختلطة والغنية بالنفط التي يعتبرها الأكراد جوهرة التاج في أيّ دولة كردية إذا ما قيض لها أن تقوم.
ولأن المشروع مرهون بقبول المعترضين على العملية الانتخابية، بنتائجها، فإن القيادي الكردي يدعوهم إلى ذلك، بالقول إن «القبول بالنتائج أهمّ من إجراء الانتخابات. فالدول البعيدة عن الديمقراطية تقوم بإجراء الانتخابات، ولكنّ القوى السياسية فيها لا تقبل بالنتائج إذا لم تحصل على عدد مرضٍ لها من المقاعد»، مضيفاً: «نحن قبلنا بالنتائج على رغم ملاحظاتنا الكثيرة، لأن عدم القبول يؤدّي إلى الفوضى وعدم الاستقرار».
الوضع الناشئ في العراق نتيجة الخلاف على نتائج الانتخابات التي تقول قوى «الإطار التنسيقي الشيعي» إنها تعرّضت إلى عمليات تزوير واسعة النطاق أدّت إلى تغيير هذه النتائج، يتيح للأكراد إعادة طرح المشروع الانفصالي الذي انهار لدى سقوط استفتاء الـ25 من أيلول 2017؛ وهم يستفيدون من أن الاحتلال الأميركي، وفق ما تشير إليه الأحداث الأخيرة، لن يترك العراق في نهاية العام الجاري، إلّا بعد أن يغرس فيه بذور التفجير، وهو استخدم خلال الانتخابات ويستخدم حالياً كل إمكاناته، مع حلفائه في إسرائيل والخليج والداخل العراقي، للتأكُّد من أن فشله في بناء العراق على قياس مصالحه بعد 18 عاماً ونيف من الغزو الأوّل، لن يجعل البلد يذهب إلى اصطفاف لا يريده، وتحديداً مع إيران.