غزة | بعد أيّام من الإعلان عن تجسُّس دولة الاحتلال على عدد من الحقوقيين الفلسطينيين، عبر برنامج «بيغاسوس» الذي تنتجه شركة «أن أس أو» الإسرائيلية، كشف مصدر في المقاومة الفلسطينية أن هذا البرنامج وغيره من البرامج المشابهة الأكثر تطوّراً، استُخدمت في سياق محاولات اختراق هواتف مسؤولين وقيادات في فصائل المقاومة، والمحور بشكل عام. وجاء حديث المصدر ليسلّط الضوء على حربٍ خفيّة، يزيد عمرها على 15 عاماً، بين المقاومة والاحتلال، زادت وطأتها في أعقاب انتشار الهواتف الحديثة وتطوير برمجيات جديدة مخصّصة لاستهدافها، مضافاً إليها سيطرة العدوّ الكاملة على خدمات الاتصالات في الأراضي الفلسطينية.وعملت وحدات في جيش الاحتلال، وبخاصّة «الوحدة 8200» التابعة لشعبة الاستخبارات «أمان» وأخرى تابعة لجهاز الأمن العام «الشاباك»، على اختراق هواتف مسؤولين في المقاومة، بهدف التجسُّس وجمْع المعلومات، وتحديد أماكن وجود هذه القيادات، إلّا أن برمجيّات جديدة استُخدمت لاختراق الهواتف الحديثة لمسؤولي الفصائل، تمّ كشفها من قِبَل المهندسين التقنيّين للمقاومة خلال السنوات الماضية. ويبدو أن الحرب بين الفصائل والاحتلال تتسّع في هذا المجال بشكل متبادَل، بحسب المصدر الذي كشف أن المقاومة شكَّلت وحدات خاصّة لصدّ الهجمات الإلكترونية التي تقوم بها إسرائيل، وتحديداً «الوحدة 8200»، فيما بات جميع قادة المقاومة يتّبعون إجراءات أمنية خاصّة للتعامل مع الهواتف تمنع الاحتلال من الاستفادة من عمليات الاختراق والاستهدافات الإلكترونية التي يقوم بها.
وعلى رغم التفوّق الواضح للاحتلال، نظراً إلى الإمكانات الكبيرة التي يمتلكها العدوّ، إلّا أن قدرات المقاومة تطوّرت بشكل لافت خلال السنوات الماضية، بحيث استطاعت الكشف عن العديد من البرمجيات الإسرائيلية الأخرى، إلى جانب «بيغاسوس»، والاستفادة منها بشكل معاكس. وفي هذا الإطار، كشف المصدر أن العدوّ يمتلك برمجيّات تقنيّة عسكرية وأمنية متطوّرة، يمكنها التحكّم بالشبكات الفلسطينية بشكل كامل، وتمكّنه من اختراق جميع أنواع الهواتف وتحويلها إلى منصّات تجسُّس بالصوت والصورة، وتشمل عمليات التجسّس أعداداً ليست بقليلة من الفلسطينيين. وتشغّل دولة الاحتلال برمجيّة في معبر بيت حانون – إيريز شمال قطاع غزة، تمكّنها من اختراق هواتف الأشخاص الذين يمرّون عبر المعبر والسيطرة على جميع بياناتهم، كجزء من الفحص الأمني قبل وخلال مرورهم عبر المعبر، فيما تستغلّ المعلومات التي تحصل عليها، بغرض ابتزاز بعض المسافرين.
شكّلت المقاومة وحدات خاصة لصدّ الهجمات التي يقوم بها الاحتلال، وبخاصّة «الوحدة 8200»


وكانت مؤسسات حقوقية فلسطينية كشفت، خلال مؤتمر صحافي عُقد مطلع الشهر الجاري في مقرّ مؤسّسة «الحقّ» في مدينة رام الله، عن اختراق هواتف ثلاثة من العاملين لديها، بينهم مَن تبيَّن اختراق هاتفه منذ العام الماضي، وآخرون قبل أسابيع، وهم: مدير مركز «بيسان» للبحوث والإنماء أبي العابودي، والمحامي في مؤسسة «الضمير» صلاح الحموري، والباحث الميداني في مؤسسة «الحقّ» غسان حلايقة من القدس، إضافة إلى اختراق هواتف مسؤولين رفيعي المستوى في وزارة الخارجية والمغتربين ممَّن لهم علاقة بمتابعة ملف جرائم الاحتلال في «المحكمة الجنائية الدولية». وتمّ تأكيد اختراق هواتف هؤلاء الموظّفين والعاملين، من خلال الاستعانة بخبراء الأمن الرقمي في منظّمة «فرونت لاين ديفندرز للشرق الأوسط وشمال أفريقيا». لكن هذا الكشف دفع بمؤسّسة «الحقّ» إلى التواصل مع بقيّة المؤسّسات المستهدفة إسرائيلياً، لفحص هواتف «آيفون» الخاصّة بموظّفيها، ليتبيَّن أن مَن تمّ استهدافهم يحملون هواتف شركة «آبل» العاملة بنظام «آي أو أس»، فيما لم يتسنَّ فحص مَن يحملون هواتف تعمل بنظام «أندرويد».
وتتخوّف المؤسسات من أن يكون الاختراق الذي حصل، قد أثّر في أمن جميع العاملين فيها، وبخاصّة ممَّن جرى اكتشاف التجسّس على هواتفهم، لا سيما بعد القرار العسكري الإسرائيلي باستهداف هذه المؤسسات وملاحقتها، بحيث يمكن أن يقوم الاحتلال باعتقال مَن يعملون في هذه المؤسسات. ويبدو أن التخوّف في محله، إذ يؤكد مدير مركز «بيسان»، أبي العابودي، في روايته لتجربته وقلقه باعتباره أحد المستهدفين، أن «البرنامج التجسّسي يستهدف الهاتف بشكل كبير ويتمّ التلاعب فيه وتشغيل الكاميرا والسماعة والمايكروفون والمكالمات، وتشعر أن هذا الأمر وصل إلى انتهاك الخصوصية بمستوى عالٍ جداً». ويضيف العابودي أن «مستوى الانتهاك كبير، بحيث تصبح معلوماتي مستباحة، حتى صور الأطفال والعائلة والخصوصيات. البرنامج التجسّسي خطير ويتلاعب ببيانات الهاتف ويغيّرها ويحمّل مواد من دون إذن صاحبه. نحن نتعهّد بملاحقة المنفّذين للانتهاك، هدفهم أن نسكت، لكّننا لن نسكت».
إلى ذلك، فشلت دولة الاحتلال، أخيراً، في إبعاد اتّهامات ضدّها بالتجسُّس على موظفين في وزارة الخارجية الفلسطينية وفي منظّمات حقوقية فلسطينية، بواسطة برنامج «بيغاسوس»، وفقاً للمحلّل العسكري في صحيفة «هآرتس»، عاموس هرئيل، الذي أكد أن البرنامج بات يُعتبر، دولياً، نوعاً من «البضاعة السامة»، كون مَن يلجأ إلى خدمات شركة «أن أس أو» يخضع لمراقبة دولية خاصّة، بسبب الغضب الذي أثاره نشاط الشركة لدى حكومات تعرّض مسؤولون فيها للتجسّس.