عمّان | بشكل علني، ظهر وزير الصناعة والتجارة والتموين الأردني يوسف الشمالي، إلى جانب وزيرة الاقتصاد الإسرائيلية أورنا باربيباي، في اجتماع على الجانب الشرقي للبحر الميّت، للتصديق على قائمة من السلع ذات الأولوية التصديرية الأردنية إلى السوق الفلسطينية. وكان الأردن اقترح زيادة صادراته إلى السوق الفلسطينية في عام 2018، تحت عنوان «تعزيز التعاون التجاري والاستثماري»، لتفضي المفاوضات خلال الأشهر الماضية إلى توافق حول قوائم السلع الأردنية الجديدة التي ستتمتّع بمعاملة تفضيلية عند النفاذ إلى السوق الفلسطينية، وبقيمة سنوية مقدارها نحو 730 مليون دولار أميركي. وتطبيقاً لذلك، ستُعفى 425 سلعة أردنية (مستوفية للمواصفات الفلسطينية النافذة) بقيمة سنوية تُقدَّر بنحو 500 مليون دولار، من الرسوم الجمركية. وهو ما سينسحب أيضاً على 329 سلعة أردنية بقيمة سنوية تقارب نحو 230 مليون دولار، عند التصدير إلى السوق الفلسطينية وبعد استيفاء المتطلّبات المعمول بها لدى الجانب الإسرائيلي. وبحسب تأكيدات الجانب الأردني، فإن هذه الترتيبات الجديدة لن تمسّ بالأحكام المُطبَّقة على واردات الجانب الفلسطيني بموجب «بروتوكول باريس الاقتصادي» (المُوقَّع ما بين رام الله وتل أبيب بتاريخ 28 أيلول 1995)، وهي تُعدّ دفعة جديدة نحو إقامة شراكات تجارية طويلة الأمد بين ممثّلي القطاع الخاص في كلّ من الأردن وفلسطين.المفارقة أن التنسيق الأردني - الإسرائيلي، في ما يخصّ السلطة الفلسطينية، يجري منذ دخول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، بغياب رام الله، وهو ما لم يتبدّل مع وصول جو بايدن إلى سدّة الرئاسة، حيث لا تزال الحكومة الأردنية تعمل كوسيط في الملفّات الحيوية، وعلى رأسها الملفّ الاقتصادي. وما يؤكد ذلك هو أن اللقاءات الأردنية - الفلسطينية دائماً ما تسبق أو تعقب اللقاءات الأردنية - الإسرائيلية (تُعقد الأولى في عمّان أو في رام الله، فيما الثانية تُعقد على الأراضي الأردنية، وفي منطقة حدودية تحديداً، إمّا في البحر الميت أو على جسر الملك حسين). وعلى هذا المنوال، سبق اجتماعَ باربيباي بالشمالي بيومين، التقاءُ الأخير وزير الاقتصاد الفلسطيني خالد العسيلي، في رام الله، حيث بحثا تحضيرات عقد اجتماع اللجنة الفلسطينية - الأردنية المشتركة العليا في المدينة نفسها بين 7 و9 كانون الأول القادم. وإن كانت بروتوكولات الاجتماعات الرسمية تقتضي تشديد الجانبَين على ضرورة المضيّ قُدُماً في تنفيذ مذكّرات التفاهم والاتفاقيات المُوقّعة بينهما، والتي من شأنها زيادة حجم التبادل التجاري، وتعزيز التعاون الاقتصادي، وتسهيل تبادل المنتجات، إلا أن مخرجات الاجتماعات مع الإسرائيليين هي ما دار البحث حوله وراء الأبواب المغلقة.
يعود «الدفء» إلى العلاقات بين تل أبيب وعمّان مدفوعاً بسياسات الحكومة الإسرائيلية الجديدة


وتأتي هذه التطوّرات في سياق حالة انتعاش تعيشها العلاقات الأردنية - الإسرائيلية منذ تموز الماضي، تاريخ اللقاء الذي جمع وزير الخارجية أيمن الصفدي، بنظيره الإسرائيلي يائير لابيد (بغياب الجانب الفلسطيني)، حيث اتّفق الجانبان على متابعة تفاصيل اتفاق رفع سقف الصادرات إلى السوق الفلسطيني، وفق «بروتوكول باريس». وأعقبت ذلك زيارةٌ أجراها الرئيس الإسرائيلي يتسحاق هرتسوغ، بشكل سرّي إلى الأردن نهاية آب الماضي، والتقى خلالها الملك عبدالله الثاني، متناولاً معه «قضايا العمق الاستراتيجي سواءً على المستوى الثنائي أو الإقليمي» بحسب بيان مكتب هرتسوغ، الذي أشار إلى أن الزيارة تمّت بالتنسيق مع لابيد ومع رئيس الوزراء نفتالي بينيت. وفي الشهر الفائت، وقّع الأردن وإسرائيل اتفاقاً يتيح لعمّان شراء 50 مليون متر مكعّب من المياه في السنة، من خارج إطار «اتفاقية السلام» الجانبين. وقالت وزيرة الطاقة الإسرائيلية كارين الحرار، التي وقّعت الاتفاقية مع وزير المياه والريّ الأردني محمد النجار، آنذاك: «نريد علاقات حسن جوار. أتمنّى بصدق أن يكون هذا بادرة للتعاون بين إسرائيل والمملكة الأردنية». واتّهمت الحرار، رئيس الوزراء السابق وزعيم المعارضة بنيامين نتنياهو، بنشر أخبار كاذبة في مسعًى إلى «نسف علاقات إسرائيل مع الأردن»، رافضة، في حوار مع «إذاعة الجيش» الإسرائيلي، الانتقادات التي وجّهها نتنياهو وحزبه «الليكود» إلى اتفاقية المياه، مشيرة إلى أن عمّان تدفع الثمن نفسه الذي يدفعه مستهلكو الماء في إسرائيل. وشدّدت على أنه «ليست هناك أيّ هدايا مجّانية، بل هناك علاقات ينبغي تطويرها، وهي من الأصول الاستراتيجية لإسرائيل».
هكذا، يعود «الدفء» إلى العلاقات بين تل أبيب وعمّان، مدفوعاً بسياسات الحكومة الإسرائيلية الجديدة التي يبدو الأردن أكثر اطمئناناً إليها. ولذا، فهو يحاول مبادلتها «حُسن النيّة»، عبر سلسلة خطوات كانت آخرَها مشاركةُ سلاح الجو الملكي الأردني في مناورة «العلم الأزرق» الإسرائيلية، والتي تحمل رسالة بالرغبة في تعزيز التنسيق الأمني والعسكري بموجب «اتفاقية وادي عربة» التي دخلت عامها الثامن والعشرين في نهاية تشرين الأول الماضي. اللافت، هنا، أن التساؤلات التي وجّهها النائب صالح العرموطي (عضو كتلة الإصلاح النيابية/ الإخوان المسلمين) إلى الحكومة حول هذه المشاركة، لم تلقَ تجاوباً شعبياً، ولم تدفع في اتّجاه أيّ تحرّك على الأرض، على رغم أن العرموطي أثار شكوكاً في ما إذا كانت هناك نيّة لإنشاء تحالف عسكري تحت إمرة الولايات المتحدة، بمشاركة الاحتلال ودول عربية أخرى من بينها الأردن. كما تساءل ما إن كانت تلك المناورات قد أُجريت على إنشاءات ومطارات شمال خليج العقبة، والتي كان الأردن قد تقدّم بشكوى ضدّها، باعتبارها خرقاً للسيادة الأردنية ومخالفة لقانون الطيران الدولي. وأخيراً، طرح النائب علامات استفهام حول المصلحة في المشاركة في «النيل الأزرق»، في وقت لا يزال فيه العدو يشكّل خطراً أمنياً ووجودياً على الدولة الأردنية، وينتهك سيادتها ويحارب وصايتها على المقدّسات، فضلاً عن إعلانه «يهودية الدولة»، وارتكابه الجرائم بحقّ الفلسطينيين.