مخيّم اليرموك الذي كان يمتاز بالكثافة السكّانية العالية يبدو اليوم شبه خالٍ
وفي المقبرة أيضاً، رموز الثورة والمقاومة الفلسطينية كالشهيد خليل الوزير والشهيد فتحي الشقاقي والشهيد سعد صايل، وغيرهم من الشهداء والفدائيين الذين خرجوا من المخيم إلى ساحات المعارك. وعلى مقربة من «التربة»، تجد أولئك النسوة «الندّابات»، اللواتي يشتغلنَ بالبكاء والنواح على الجنازات المتوافدة، لكنهنّ في اللحظة نفسها «يقمّعن» البامية، ويقطّعن الملوخية، وينقّين الحصى الصغير من القمح والبرغل، في مشهدٍ سورياليّ، حيث لا هي حياة قائمة، و لا هو موت. لكن لمخيّم اليرموك وجهاً آخر مليئاً بالحياة أيضاً، وهو جمع المثقّفين والأدباء والأطبّاء والمفكرين الذين تخرّجوا منه، أمثال الدكتور محمود موعد الذي يُعدّ من أهمّ الأدباء والقاصّين في سوريا، فضلاً عن كونه من أهم رموز كتّاب القصّة الفلسطينية. كذلك الأمر بالنسبة إلى الشاعر الفلسطيني حسن البحيري، والروائية نعمة خالد، وغيرهم الكثيرين الذين لا يسع ذكرهم هنا.
خلال الجولة، نصادف امرأة تجاوز عمرها التسعين عاماً، ولم تغادر المخيم خلال الحرب. نسأل عن سبب بقائها، فتجيب: «خرجتُ من فلسطين أوّل مرّة، ولن أخرج منها ثانية، وإن كان الموت قريباً فليكن في فلسطين». كان عدد الوافدين إلى المخيم في تزايد دائم. شاهدنا اللقاء بين الجيران والأقارب الذين فرّقتهم الحرب. تسمع أسئلة من قبيل: «كيف العيشة في ألمانيا؟ هل تلتقون بـ(فلان) في السويد؟ هل حصلت على الجنسية؟». تقفز إلى ذهنك على الفور صور التغريبة الأولى، قبل أن توقظك منها سريعاً أصوات إزالة الركام والتنظيف.