ريف دمشق | من القوس الشمالي لمخيم اليرموك إلى مستشفى فلسطين، وصولاً إلى الحجر الأسود جنوباً، لن تكون هذه المنطقة جزءاً من التسوية التي جرى إعلان التوصل إليها في مناطق القدم والعسالي، إضافة إلى أحياء جورة الشريباتي وبور سعيد والمأذنية. فبعد سلسلة جلسات جمعت لجاناً محلية تابعة للمعارضة المسلحة في تلك المناطق مع وفد عن الدولة السورية، أعلن ظهر أمس توصل الطرفين إلى اتفاق يقضي بوقف متبادل لإطلاق النار، وتسليم مقاتلي المعارضة المسلحة كافة أسلحتهم للجيش السوري، على أن يتم إخراج المسلحين غير الراغبين في التسوية إلى منطقة الحجر الأسود.
مصدر عسكري مسؤول في منطقة القدم أكد لـ«الأخبار» أن تنفيذ بنود الاتفاق سيبدأ ابتداءً من فجر الغد (اليوم)، «على أن يتم البدء أولاً بتأمين خروج غير الراغبين في التسوية إلى الحجر الأسود».
وتعتبر القدم والعسالي من بوابات إمداد مقاتلي المخيم ومساندتهم، حيث إنه، على طول خط الحرب، شكلت المنطقتان مسرباً مفتوحاً لمسلحي اليرموك والحجر الأسود، في حال اشتدت المعارك وانعدمت الخيارات أمام مقاتلي المعارضة.
«مع التسويات الأخيرة في الجنوب، تحوّل اليرموك والحجر الأسود مقصداً للمسلحين الرافضين للتسوية. هذا يعني تجميع المعارضة المتشددة في منطقتين اثنتين فقط، فلمصلحة من هذا الكلام؟»، يقول م. البني، أحد المقاتلين الذين سلموا سلاحهم العام الماضي. ويضيف: «لن يكون بمقدور أحد تخيّل حجم الدمار الذي ستتعرض له المنطقتان في حال الذهاب نحو معركة كسر عظم هناك».
مع احتمال تحوّل اليرموك والحجر الأسود إلى قاعدتين مفصولتين عن محيطهما في حال النجاح في تنفيذ كامل بنود التسوية، ومع كثرة أعداد المتشددين المنضمين إلى الفصائل المعارضة في المنطقتين، سيكون خيار الحشد على جبهة الحجر الأسود، بهدف استعادة سيطرة المعارضة على منطقة السبينة، جنوب دمشق، خياراً وحيداً للمعارضة المسلحة، في حال قررت الخروج من عزلتها. هو الخيار ذاته الذي جرى طرحه في آذار من العام الحالي، ورفضته «جبهة النصرة» في حينه، معلنةً أنّ الخيار لن يكون معقولاً إلا في حال تحولت منطقة الحجر الأسود إلى قوة عسكرية نارية، تستطيع الاقتحام جنوباً، مع الحفاظ على مواقعها شمالاً.
«لن تستطيع النصرة ولا غيرها الخروج من الحجر الأسود واليرموك إلا بتسوية يقبل بها الجيش السوري»، يجزم مصدر عسكري مسؤول لـ«الأخبار». ويضيف: «المعارضة كانت تحصن نفسها خلال العام الماضي، غير أن الضربات التي تلقتها منذ بداية العام الحالي كانت كفيلة بإيصالها إلى حدّ أصبحت معه عاجزة عن أي تمدد آخر».
تبرز «النصرة» اليوم أيضاً كأحد أبرز المعرقلين للتسويات في المنطقة الجنوبية. واعتمادها في ذلك يأتي من الدعم الوافر الذي تتمتع به، إذ يقول أحد مقاتلي المعارضة في المخيم: «إذا كنا مجبرين على التسوية، فذلك لأننا نعاني حصاراً هائلاً علينا، بات يهدد أهلنا من أطفال ونساء بالموت، في وقت يتوافر للجبهة ما لا يتوافر لغيرها من الكتائب. فبينما أنت تعاني من الحصار، يتلذذ مقاتلو الجبهة بالموز والبرتقال. وعندما تطالبهم بالمساعدة، يكون الخيار إما أن تنضم إليهم وتخضع لشروطهم، أو ينقضون عليك في لحظة تعاني فيها الجوع». ويؤكد المقاتل ذاته أنّه «وصلنا إلى طريق مسدود، قررنا معه المضي بالتسوية، لكن لا تزال النصرة تضع شروطاً من أجل إضاعة الوقت».
وفي وقت تتوجه فيه أنظار أهالي جنوب دمشق إلى التسوية الأخيرة، لا تزال المخاوف تحيط بمستقبل كل من المخيم والحجر الأسود. فالاعتقاد السائد لدى العديد من النازحين من المنطقتين أنّ ترك المسلحين بدون حسم، سوف يفتح الباب لتضييع المزيد من الوقت، وسيزداد معه احتمال تضرر الممتلكات الشخصية والبنية التحتية داخل اليرموك والحجر الأسود، اللتين شكلتا خزاناً بشرياً ضخماً، قبل أن تتعاظم موجات النزوح منهما.