درعا | على خلاف ما انتهت إليه تسوية صيف عام 2018، انتشر الجيش السوري برفقة عناصر القوى الأمنية، في غالبية النقاط الأساسية والمفصليّة في عموم محافظة درعا. انتشارٌ كان السياق الذي أدّى إلى تثبيته قد بدأ قبل حوالى 50 يوماً، عندما وُقّع اتّفاق درعا البلد، ثمّ تبعته اتفاقات الأرياف الجنوبية والغربية والشمالية، وصولاً إلى معقل «اللواء الثامن» المدعوم روسياً، في ريف درعا الشرقي الذي تتّجه الأنظار نحوه اليوم. هكذا، نجحت اللجنة الأمنية والعسكرية التابعة للحكومة، في تحييد ما تُعرف بـ«اللجنة المركزية» المفاوِضة باسم المسلّحين، بعدما كسبت الأولى أوراق قوّة في الميدان من خلال انتشار الجيش السوري على مساحات شاسعة، وإنهائه بؤرة التوتّر الرئيسة في درعا البلد، على الرغم من بقاء حيَّي المخيّم وطريق السدّ حصراً، خارج دائرة سيطرة الدولة. ويتقدّم هنا السؤال حول مصير القياديَّين البارزَين، محمد المسالمة الملقّب بـ«الهفو»، ومؤيّد الحرفوش المعروف بـ«أبو طعجة»، واللذين يتحصّنان في الحيَّين المذكورَين، حيث تُرجع مصادر فاعلة في ملفّ المصالحات الهدنة «غير المتّفق عليها» هناك، إلى وجود عشرات آلاف المدنيين الذين يحول وجودهم بشكل أو بآخر، دون وقوع معركة كبيرة بين الجيش السوري والمسلّحين.لكن الدولة السورية تبدو، بحسب ما يُظهره أداؤها الأخير في درعا، مصممّة على استعادة كامل المناطق سلماً أو حرباً، الأمر الذي تجلّى بوضوح عندما واجهت جهودُ لجان المصالحة عقباتٍ في بعض المدن والبلدات، حيث كان الجيش يعمد إلى تطويق المنطقة والتهديد بشنّ عملية عسكرية، ما يدفع المسلحين إلى القبول بالتسوية. وتكشف مصادر مطّلعة على سير الاتفاقات، لـ«الأخبار»، أن «أكثر من 50 بلدة وناحية وقرية شهدت في الفترة الممتدّة بين 6 أيلول و25 الشهر الجاري، تسوية أوضاع ما يقارب 7500 – 8000 شخص، من بينهم 3 آلاف عسكري فارّ ومطلوب للخدمة العسكرية»، كما فاقت أعداد قطع السلاح المصادَرة 3500 قطعة فردية ومتوسّطة. وفي المقابل، حصل المسلحون على تسوية تتيح لهم العودة إلى حياتهم الطبيعية ما قبل الحرب، من دون ملاحقات أمنية. وبحسب نموذج من بطاقات التسوية الخاصّة بهؤلاء اطّلعت عليه «الأخبار»، فقد دُوّن أن الشخص المعنيّ «راجع مركز التسوية في البلدة المحدّدة له بموجب كتاب صادر عن اللجنة الأمنية والعسكرية، وتمّ استجوابه وتركه مباشرة، ومُنح مهلة 3 أشهر للعودة إلى وحدته العسكرية، بعد كفّ البحث عنه على جميع الحواجز العسكرية والنشرات الأمنية والشرطية، وإرفاق التقارير اللازمة لواقعة فراره». إجراءٌ لاقى ارتياحاً كبيراً في أوساط الشبّان المتخلّفين والفارّين، نظراً لمنع مساءلتهم القضائية، أو احتجازهم لدى الشرطة العسكرية، إلى حين التحاقهم بالخدمة الإلزامية.
يغيب أحمد العودة عن أحياء مدينة بصرى الشام وشوارعها منذ نحو شهر


في هذا الوقت، تتّجه الأنظار، في الأيام المقبلة، نحو مدينة بصرى الشام في أقصى ريف درعا الشرقي، حيث معقل «اللواء الثامن» المدعوم من روسيا، والذي تأسّس في صيف عام 2018، عقب اتفاق التسوية، وعُيّن على رأسه القيادي البارز في الفصائل المسلحة سابقاً أحمد العودة، ويساعده قياديّان سابقان آخران هما علي باش، والعقيد المنشقّ نسيم أبو عرّة، المنحدر من مدينة خربة غزالة. وتدور في أوساط أهالي المنطقة الجنوبية أسئلة عديدة حول مصير ذلك اللواء وقادته، خصوصاً أن معلومات أمنية حصلت عليها «الأخبار»، أشارت إلى غياب العودة عن أحياء بصرى الشام وشوارعها، حيث يمضي معظم وقته عادة. وفي هذا السياق، ترجّح المعلومات مغادرة العودة إلى إحدى مدن شمال الأردن، حيث تُقيم زوجته وأولاده، ليتفرّد باش وأبو عرّة بقيادة دفّة «اللواء الثامن» في انتظار القرار النهائي، الذي يبدو أنه سيكون واحداً من اثنين: إمّا حلّه، وإمّا تسليم جميع أنواع أسلحته وانضمام مقاتليه إلى وحدات عسكرية وأمنية حكومية، أو انخراطهم ضمن تشكيلات الجيش السوري. لكن عضو مجلس الشعب السوري عن محافظة درعا، خالد العبود، يعتقد، في حديث إلى «الأخبار»، أن «ما يحدث في درعا يُشير إلى وجود نيّة لحلّ اللواء الثامن، بعد بسط السيطرة على كامل المحافظة، حيث أن الروس في عام 2018، تعاملوا مع مسلّحي اللواء الثامن على أنهم معارضة فقط، لكنهم أدركوا لاحقاً بعد مرور ثلاث سنوات أنهم ليسوا كذلك».
من جهة أخرى، يبدو أن كلّ ما تحقّق في محافظة درعا إلى الآن، لن يكون كفيلاً، وحده، بوقف مسلسل الاغتيالات. إذ على رغم تراجع وتيرة هذه الحوادث خلال الفترة الماضية، إلا أن وقفها يحتاج، على ما يَظهر، إلى مزيد من التشدّد الأمني والعسكري. وفي هذا الإطار، يلفت رئيس لجنة المصالحة في درعا حسين الرفاعي، في حديث إلى «الأخبار»، إلى أن «المحافظة شهدت انتشاراً عشوائياً للسلاح طيلة السنوات الماضية، وتحتاج معالجة الأمر إلى بعض الوقت»، مضيفاً أن «عمليّات الاغتيال والتصفية تراجعت بنسبة 80%، وهي بأغلبيتها ذات طابع جنائيّ، أو تحمل في طيّاتها ثأراً عائلياً، بحُكم الطبيعة العشائرية للمنطقة».