دمشق | لم ينفع عرض قائد «جنود الشام»، مراد مارغوشفيلي، الملقّب بـ«مسلم الشيشاني»، الجلوس على طاولة حوار ليبدّد من خلالها مخاوف زعيم «هيئة تحرير الشام»، أبو محمد الجولاني، فذهب الأخير نحو الدفْع بمواجهة بدأت في مدينة جسر الشغور. وتفيد المعلومات التي حصلت عليها «الأخبار» بأن منتصف ليل الاثنين شهد بداية لتطبيق اتفاق بين الطرفين لعب فيه «الحزب الإسلامي التركستاني» دور الوساطة، فخرج 169 عنصراً من «جنود الشام» كانوا يتحصّنون في منطقة اليمضية في جبل التركمان، إلى جهة لا تزال مجهولة. لكن الاتّفاق سقط بتجدّد الاشتباكات فجر الثلاثاء، لتُستأنف المعركة بين «تحرير الشام» وفصيل صغير متحالف مع الشيشاني يُعرف باسم «جند الله» الذي أسّسه «أبو فاطمة التركي»، ويقوده حالياً أبو حنيفة الأذري، بحجّة مطالبة «الهيئة» بتسليم «عناصر مطلوبين للقضاء في إدلب». وتشير معلومات «الأخبار» إلى أن «الأذري وجد نفسه وحيداً وجماعته في الحرب ضدّ تحرير الشام في منطقة جبل التركمان، لتصل الاشتباكات صباح الأربعاء إلى حدود استخدام الأسلحة الثقيلة، والعودة إلى سلاح الانتحاريين من قِبَل جند الله، وليقوم أحد عناصر الأذري بتفجير نفسه في مجموعة من عناصر تحرير الشام، ما تسبّب بخسائر بشرية». يريد الجولاني لنفسه السيطرة على الحدود مع الأراضي التركية فى أرض جبلية، يمكن أن تؤمّن له معابر بديلة من معبر «باب الهوى»، الذي قد تخسره «تحرير الشام» إذا ما ذهبت القوات السورية نحو عملية عسكرية للسيطرة على المعبر المعتمَد في إدخال المساعدات الإنسانية من قِبَل الأمم المتحدة، وهي عملية غير مستبعدة بالحسابات العسكرية والسياسية، لما قد تحقّقه لدمشق من مكاسب، أهمّها فصل المناطق التي تسيطر عليها القوات التركية في ريف حلب عن تلك التي تسيطر عليها «تحرير الشام» في إدلب، وهو الأمر الذي قد لا يكون صعباً بالنسبة إلى الجيش السوري، إذا ما قرّر التقدّم في العمق انطلاقاً من نقاطه جنوب غرب حلب نحو المعبر في مسافة لا تزيد عن 30 كلم، في تكتيك اعتمده في معارك سابقة وأثبت نجاعة. في المقابل، لا يمتلك الشيشاني العديد والعدّة الكافيَين لمواجهة طويلة الأمد مع الجولاني، الذي كان قد نجح في أكثر من معركة شنّها ضدّ خصومه من «أخوة المنهج» سابقاً، ومن أبرزهم «جبهة ثوار سوريا» التي قادها جمال معروف، قبل أن يفكّكها الجولاني في عام 2014، وينتقل إلى إنهاء الصراع مع «حركة نور الدين الزنكي» باتفاق في عام 2017 أفضى إلى طرد الزنكي من جنوب حلب وإدلب نحو عفرين، بعد عامين من الاقتتال. وكانت إدلب قد شهدت عدّة صدامات بين «تحرير الشام» و«حركة أحرار الشام»، التي انتهى بها المطاف إلى الاندماج ضمن «الجيش الوطني» الذي شكّلته الحكومة التركية، بعدما أرهقتها الخلافات الداخلية والصراعات.
يُتّهم الجولاني بالضلوع في عمليات الاغتيال التي تطال المرتبطين بـ«القاعدة»


يحاول الجولاني، اليوم، فرض «مركزية السلاح وقرار الحرب»، وذلك من خلال السيطرة على كامل الفصائل في شمال غربي سوريا، وتحديداً تلك التي تضمّ المقاتلين الأجانب المعروفين بلقب «المهاجرين». وفي ظلّ غياب دعوات الصلح التي يطلقها في العادة قادة متطرّفون مِن مِثل السعودي عبد الله المحيسني، الذي يغيب منذ فترة عن المشهد، لم يجد الشيشاني بُدّاً من التحالف مع خصوم الجولاني، وعلى رأسهم تنظيم «حراس الدين» الذي يقوده أبو همام الشامي، والذي أعلن انفصاله عن الجولاني عقب فكّ الأخير ارتباطه مع «القاعدة»، مُبقياً على ولائه للتنظيم الأمّ، قبل أن يَلحق به كلّ من «جيش البادية»، «جيش الساحل»، «سرية كابل»، «سرايا الساحل»، «جيش الملاحم»، و«جند الشريعة»، ليشكّلوا معاً قوّة قوامها 1800 مقاتل، منتشرين في جبال غرب إدلب. وعلى الرغم من تحيّن «حراس الدين» الفرصة للانقضاض على الجولاني، إلا أنه لم يتحرّك لدعم الشيشاني في الجولة الحالية، تاركاً للمقاتلين «الإيغور» المنظّمين تحت مسمّى «الحزب الإسلامي التركستاني» لعب دور الوساطة، التي خرج الشيشاني على إثرها من واجهة الصراع، مُبقِياً حليفه الأذري في مواجهة مصيره في حرب تميل كفّتها بشكل واضح لصالح الجولاني، الذي أراد من حملته الأخيرة إيصال رسالة واضحة إلى «حراس الدين» مفادها: «الطاعة أو القتال».
ويُتّهم الجولاني بالضلوع في عمليات الاغتيال التي تطال المرتبطين بـ«القاعدة»، من خلال التعاون الاستخباري مع الجانب الأميركي، والذي يُحقّق لزعيم «تحرير الشام» هدفَين: الأوّل تصفية كبار شخصيات التنظيمات المنافسة له، والثاني تحويل هذه الشخصيات إلى قرابين للعلاقة المفتوحة التي يريدها مع الأميركيين، بما ينهي وجوده وتنظيمه على لائحة المنظّمات «الإرهابية»، ويجعله جزءاً من مشروع «الفدرلة». وفي هذا السياق تحديداً، يمكن فهم الحملة الأخيرة للجولاني ضدّ خصومه، والتي يأمل أن ترفع رصيده لدى واشنطن على طريق تسميته «جنرالاً» من قِبَل الأخيرة، ليقود «إدارة ذاتية» موازية في شمال غربي سوريا، أسوةً بمظلوم عبدي الذي كان عضواً في تنظيم «حزب العمّال الكردستاني» الموضوع على لائحة التنظيمات «الإرهابية»، ويُعدّ التعامل معه من الناحية القانونية مطابقاً للتعامل مع الجولاني.