دمشق | وُقّع، قبل يومين، اتّفاق هو الأوّل من نوعه بين الوفد الحكومي السوري والوفد الممثّل للمعارضة في لجنة مناقشة الدستور، على أن يتمّ طرح «مشروع الإصلاح الدستوري» خلال أسبوع من توقيع هذا الاتفاق. وبحسب المعلومات التي حصلت عليها «الأخبار»، فإن الحديث يدور عن تعديلات على دستور 2012، لا عن دستور جديد، انطلاقاً من المبادئ التي تُعنى بالسيادة الوطنية والهوية القومية لسوريا، إذ ترفض دمشق التخلّي عن مبدأ «العروبة» كحامل أساس لهوية الجمهورية التي ترعى حقوق الأقلّيات والإثنيات العرقية المشكّلة للنسيج المجتمعي. وبالتالي، فإن ما يحدث حالياً هو البحث عن صيغ دستورية وقانونية ولغوية تجمع النصوص المطروحة من قِبَل الوفود المشاركة في عمل اللجنة.وتُعرب مصادر قريبة من الوفد المعارض عن ارتياحها لاستخدام الوفد الحكومي تعبير «المعارضة» في الخطاب الرسمي خلال الجولة الحالية، لافتةَ إلى أن المعارِضين يعتبرون أنهم حقّقوا إنجازاً بكون الدستور السوري القادم لن يمرّ من دون موافقتهم. في المقابل، ترفض الحكومة تأطير النقاشات زمنياً، كي لا يشكّل الوقت عامل ضغط قد يفرز دستوراً مشغولاً على عجل. كما أن الحكومة أكدت، في أكثر من مناسبة، رفضها لأيّ تدخّل خارجي في عمل اللجنة. وفي هذا الإطار، تصف مصادر مطّلعة على النقاشات ما يحدث حالياً بأنه خرق للجمود الذي شهده عمل «الدستورية» منذ بداية عملها، مستدركةً بالتشكيك في ثبات موقف وفد المعارضة، لارتباط الأخير بالجانبَين الأميركي والتركي، وبالتالي لا يمكن الجزم بأن اللجنة قد تنجز عملها ضمن الوقت الذي يتمنّاه المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، غير بيدرسن.
لا يدور الحديث عن دستور جديد وإنّما تعديلات على دستور 2012


وسيبدأ العمل على «مشروع الإصلاح الدستوري» عبر اللجنة المصغّرة التي تضمّ 45 عضواً (15 عضواً من كلّ وفد)، ومن ثمّ يُعرض ما تتوصّل إليه على اللجنة الموسّعة التي تتشكّل من 150 عضواً، ومن بعدها يُحدَّد موعد للاستفتاء الشعبي، قد لا يكون خلال أشهر قصيرة. لكن المشكلة أن أيّ اتفاق لن يكون ملزماً للتنظيمات المسلّحة المنتشرة في إدلب أو المناطق الشرقية من البلاد، لكونها كلّها لا تعترف بـ«الدستورية»، وليست طرفاً فيها. فإدلب مثلاً تقوم فيها حكومتان، الأولى تُعرف باسم «حكومة الإنقاذ» وهي مدعومة من تنظيم «جبهة النصرة» ولا تعترف بـ«الائتلاف المعارض» أو «حكومته المؤقّتة» التي تمثّل الحكومة الثانية وتتّخذ من الأراضي المحتلّة من تركيا مجال عمل لها، علماً أن مقرّ إقامتها الدائم هو داخل الأراضي التركية، ويقتصر دخول أعضائها إلى الأراضي السورية على مناسبات محدّدة. ومن شأن هذا الواقع أن يولّد إشكاليات كبرى أمام وفد المعارضة، إذ إن قبوله بمبدأَي السيادة ومحاربة الإرهاب اللذين طرحتهما الحكومة، يتناقض مع تزكيته احتلال تركيا أجزاءً من الشمال السوري، ومساندته فصائل مسلّحة من أبرزها «الجيش الوطني» الذي يتبع شكلياً وزير دفاع «حكومة الائتلاف» التي يمثّلها وفد هادي البحرة.
كذلك، لا تجد «قوات سوريا الديموقراطية» (قسد)، ومن خلفها المجلس السياسي التابع لها، نفسها جزءاً من اللجنة الدستورية. واللافت، في هذا الإطار، أن الحكومات الغربية لم تتمسّك بإشراك «قسد» في عمل اللجنة، على الرغم من الدعم السياسي والعسكري لها بحجّة «محاربة الإرهاب»، وهو ما يُفسَّر بوجود «فيتو» تركي على إشراكها في أيّ محفل سياسي يجمع الأطراف السورية حول طاولة واحدة، ويُعدّ مؤشّراً كاشفاً بالنسبة إلى «قسد»، حول نظرة الأطراف الخارجية إليها، وإمكانية رفع الغطاء عنها في أيّ لحظة تتبدّل فيها المصالح.