الخرطوم | في ما بدا أشبه بالهدوء الذي يسبق العاصفة، التزمت أطراف الأزمة في السودان الصمت خلال الأيام القليلة الماضية، باستثناء انعقاد جلسة غير عادية لمجلس الوزراء ناقشت الأوضاع السياسية في البلاد، وسبل إيجاد مخارج منها. وعلى عكس حالة الصمت تلك، بدا الشارع في حالة تحفّز وترقّب ليوم الـ21 من تشرين الأوّل الحالي (اليوم الخميس)، والذي يوافق ذكرى «ثورة أكتوبر» التي اندلعت في عام 1964 ضدّ حُكم الفريق إبراهيم عبود. وتأتي الذكرى هذا العام بينما تمرّ انتفاضة كانون الأوّل 2019 التي أطاحت نظام عمر البشير، بمنعطفٍ وصَفه رئيس الوزراء عبد الله حمدوك بـ«الخطير»، بعدما تبنّى عسكر «مجلس السيادة» نهجاً أقرب إلى الانقلاب على «الشراكة» مع المدنيين، محاوِلاً إكساب خطواته شرعية شعبية عبر حثّ مؤيّديه على تنفيذ اعتصام لا يزال مفتوحاً قبالة القصر الرئاسي وسط الخرطوم، حيث يرفع المعتصمون شعارات أبرزها المطالبة بتسلّم الجيش للسلطة. ولعلّ ذلك الوضوح في المطالب هو الذي دفع شركاء العسكر السياسيين في مساره الانقلابي، مِن مِثل «حزب البعث العربي» و«الجبهة الثورية» التي تضمّ «حركة العدل والمساواة» و«جيش تحرير السودان - جناح أركو مناوي»، إلى التراجع خطوة إلى الوراء، عبر تنصّلهم من مطلب تفويض الجيش على رغم مشاركة أعضائهم وأنصارهم في الاعتصام، والإعلان أن ما يدعون إليه إنّما هو حلّ الحكومة والعودة إلى منصّة تأسيس «قوى الحرية والتغيير». لكن تلك الخطوة لم تضعف حماسة الفاعلين في اعتصام القصر الجمهوري، حيث ارتفعت أخيراً وتيرة التصعيد، وزحف المعتصمون إلى الشارع المؤدّي إلى مجلس الوزراء، وحاول بعضهم اقتحام مباني المجلس لقطع الجلسة، غير أن قوات الشرطة تصدّت لهم وأفرغت المنطقة مستخدمة الغاز المسيل للدموع.
يرى مراقبون أن حمدوك سيجد نفسه مرغماً على تلبية مطالب العسكر تحت ضغط الشارع

وكان رئيس الوزراء، عبد الله حمدوك، دعا أعضاء حكومته إلى اجتماع طارئ لمناقشة بند وحيد هو الأزمة السياسية الراهنة في البلاد. وفي هذا الإطار، شدّد المجتمعون على أهمية الحوار بين جميع أطراف الأزمة، سواءً بين مكوّنات «الحرية والتغيير» نفسها، أو بينها وبين المكوّن العسكري، داعين إلى النأي عن التصعيد والتصعيد المضادّ. وحذّر حمدوك من أن توقّف الحوار بين طرفَي الشراكة يستبطن خطراً على مستقبل البلاد، حاضّاً على التوافق على حلول للقضايا الآنية وبقية متطلّبات الانتقال الديمقراطي، قائلاً: «سيُحكم علينا بنجاحنا في الوصول ببلادنا وشعبنا إلى الاستقرار والديمقراطية». لكن الواضح، على رغم محاولات حمدوك سحب فتيل الأزمة، أن الأمور لن تعود كما كانت في السابق، وأن رئيس الوزراء سيجد نفسه مرغماً على تلبية مطالب العسكر تحت ضغط الشارع. وبحسب مصادر مطّلعة، فإن رئيس «مجلس السيادة» والقائد العام للجيش، عبد الفتاح البرهان، كان على وشك إعلان بيان انقلابه على الحكومة المدنية مطلع الأسبوع الحالي، إذ إن الأعداد المعتصمة أمام القصر الجمهوري، على قلّتها، بدت بالنسبة إليه كافية لإتمام الانقضاض على الشراكة، فكيف إذا ما تصاعدت حركة الاعتصام وتمدّدت رقعته. لكن، في المقابل، بدأت تتعالى دعوات مضادّة إلى فضّ الشراكة مع المكوّن العسكري، وتحديداً من قِبَل لجان المقاومة التي أعلنت أن تظاهرها يوم غدٍ ليس لدعم أيّ من الأطراف العسكرية أو السياسية، بل للخروج من خانة المشاهدة والانتظار وردّ الفعل إلى خانة الفعل، في رسالة لا يَخفى أنها تصبّ في بريد الحكومة قبل المكوّن العسكري، على اعتبار أن الأولى استنفدت كلّ فرصها لدى الشارع بضعفها وعدم إيفائها بمتطلّبات الانتقال وإغفالها جانب تحقيق العدالة الانتقالية.
وفيما يترقّب الجميع - مدنيون وعسكر - يوم الخميس، من أجل قياس حجم الشارع «الثوري» ومدى قدرته على التأثير على مجريات الأمور، يبدو المشهد مفتوحاً على الاحتمالات كافة. والظاهر أن المدنيين يضعون رهانهم على هذا التحرّك من أجل الدفع في اتّجاه تعديل الوثيقة الدستورية المُسيِّرة للفترة الانتقالية، والتي بموجبها لا سلطة لرئيس الوزراء على الجيش، بل لـ«مجلس السيادة» بمكوّنَيه المدني والعسكري، على رغم أن البند المذكور لم يمنع تركّز السلطة بيد المكوّن العسكري حالياً. كذلك، ترتفع مطالبات بإعادة هيكلة الجيش، وبناء جيش قومي عقيدته قتالية وبعيدة من الأيديولوجيا. ويعتقد أصحاب هذه المطالب أن المكوّن العسكري، حتى مع تفوّقه، بات في وضع لا يُحسد عليه، ولا سيما بعدما أقرّ مجلس الشيوخ الأميركي مشروع اعتمادات العام المالي 2022، والذي نصّ على منع تقديم أيّ مساعدات عسكرية أميركية للسودان من دون موافقة الحكومة الانتقالية، ولأغراض محدّدة منها إصلاح القطاع الأمني.