دمشق | ارتفعت، خلال الأيام العشر الماضية، حدّة التوتر في المناطق الواقعة في ريف حلب الشمالي الأوسط، الأمر الذي دفع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، أكثر من مرّة، إلى التهديد بأن «صبر أنقرة قد نفد»، بعد سلسلة من التفجيرات والاستهدافات الصاروخية لمواقع في مدينة عفرين والمناطق المحيطة بها من قِبَل «الوحدات الكردية» المنسحبة من عفرين، والتي ينقسم قادتها بين تأييد «قوات سورية الديمقراطية» (قسد)، والخلاف معها بشكل جذري، على خلفية اتّهامهم إيّاها بالتخلّي عن عفرين في آذار من عام 2018، حينما واجهت الوحدات الكردية العملية التركية المعروفة باسم «غصن الزيتون»، من دون أيّ دعم أو إمداد سوى عبر وسائل الإعلام. وتمثّلت أبرز عمليات الاستهداف المذكورة آنفاً، في تدمير عربة تركية بصاروخ حراري أُطلق من قبل الوحدات الكردية، ما أسفر عن مقتل ثلاثة جنود أتراك وإصابة آخرين في الـ10 من الشهر الحالي، وتفجير سيارة مفخّخة في «سوق الهال» داخل مدينة عفرين، الأمر الذي أسفر عن مقتل سبعة أشخاص وعدد كبير من الإصابات.وتفيد مصادر ميدانية، «الأخبار»، بأن الجيش السوري نقل تعزيزات إلى بلدة تل رفعت باعتبارها قلب ريف حلب الشمالي الأوسط، وهي البلدة التي كانت المروحيات التركية قد ألقت فوق سمائها قبل أيام مناشير تحذّر من عملية عسكرية في المنطقة الواقعة إلى الشمال من حلب. والظاهر أن حسابات قادة «قسد» تذهب نحو دفع الأتراك إلى مهاجمة ريف حلب الشمالي، بما قد يفضي إلى انتفاء احتمال حدوث هجوم تركي على مناطق ريفَي الرقة والحسكة، والتي كانت القوات التركية قد حشدت لمهاجمتها. وقياساً على العمليات التركية السابقة في الأراضي السورية، فإن أنقرة لا تقوم بفتح جبهتَين في آن معاً، أي أن احتمال أن تذهب نحو معركة ضدّ القوى الكردية المسلحة في شمال حلب ومناطق شرق الفرات في الوقت ذاته، يُعدّ ضعيفاً. وعلى هذا الأساس، صعّدت «قسد»، على ما يبدو، عمليات استهداف المناطق التي تسيطر عليها القوات التركية في مثلّث عفرين - مرعناز - أعزاز، بهدف الدفع بالأتراك إلى مهاجمة المناطق التي تنتشر فيها الوحدات الكردية، إلى جانب الجيش السوري في شمال حلب، الأمر الذي قد يجعل من الدور الروسي أكثر فعّالية في إيقاف مثل هذه العملية التركية بالتحرك السريع، خاصة أن الروس يحتفظون بوجود عسكري في تل رفعت نفسها لمراقبة اتفاق وقف إطلاق النار المفترض سريانه في ريف حلب الشمالي الأوسط منذ آذار 2018، وهو تاريخ سقوط مدينة عفرين بيد القوات التركية.
وفي هذا الإطار، تقول مصادر كردية، فضّلت عدم الكشف عن هويّتها، لـ«الأخبار» إن «قسد تعوّل على رغبة روسيا بحماية حلب من اقتراب القوات التركية منها، على اعتبار أن موسكو سيكون تحرّكها حاسماً لجهة وقف أيّ عملية تركية في منطقة الشهباء، في حين أنه سيكون تدخلاً بطيئاً ومبنيّاً على أساس المكاسب التي يمكن أن تأخذها الحكومة الروسية لمصلحة دمشق من التدخّل في وقف أيّ عملية عسكرية تركية في مناطق شرق الفرات». وتضيف أنه «على الرغم من أهمية هذه المناطق في حسابات السيطرة على الطريق الدولية M4 في الجزء الذي يجتاز ريف محافظتَي الرقة والحسكة، وعلى الرغم من قيام الجيش السوري بزيادة عديد قواته في بلدة عين عيسى، ذات الموقع الأكثر أهمية في حسابات ريف الرقة الشمالي الغربي في أيّ عملية عدوانية تركية جديدة شرق الفرات، إلّا أن احتمال استهدافها من قِبَل أنقرة أو الفصائل الموالية لها سينخفض إلى أقلّ من 25 بالمئة في حال بدأ الأتراك بهجوم شمال حلب».
تعوّل «قسد» على رغبة روسيا في حماية حلب من اقتراب القوات التركية منها


ومن بين الأضرار "الجانبية" التي قد تواجهها «قسد» في حال بدأ الأتراك عملية عسكرية في ريف حلب الواقع إلى الغرب من نهر الفرات، تحضر مهاجمة مدينة منبج على رأس القائمة. ومن هنا، تفيد مصادر ميدانية، «الأخبار»، بأن «قسد تعمل على تعزيز نقاطها على امتداد نهر الساجور، المشكِّل لخطّ الفصل شمال منبج، وتتخوّف من هجوم يبدأ من محور العون - أم جلود على نقاطها في المنطقة»، مستدركةً بأن «الوجود الروسي في العريمة الواقعة إلى الغرب من منبج، يُعدّ من عوامل الأمان بالنسبة إلى القادة الكرد، إلى جانب الانتشار السوري في مجموعة من النقاط الواقعة إلى الغرب من المدينة، وصولاً إلى التخوم الشرقية لمدينة الباب التي تحتوي في جبل عقيل على واحدة من أكبر القواعد التركية العسكرية في ريف حلب الشرقي»، مضيفة أن «مدينة منبج تنطبق عليها الحسابات نفسها لجهة تدخّل الروس في وقف العملية التركية».
تصدير التوتر إلى مناطق ريف حلب الشمالي يبدو الحلّ الأمثل من وجهة نظر قادة «قوات سورية الديمقراطية»،. ولذا، يدأب الموالون لـ«قسد»، من بين قادة الوحدات الكردية، على تنفيذ هجمات على مواقع تسيطر عليها القوات التركية بشكل أكبر مما شهدته الأشهر السابقة، إذ كانت ردّة فعل الوحدات على الاستهداف اليومي لمواقعها في «الشهباء»، من قِبَل القوات التركية أو مَن يواليها تقتصر على رشقة صاروخية واحدة كلّ أسبوعين تستهدف مدينة عفرين في أحيائها المدنية كنوع من الانتقام وإثبات الوجود، إلّا أن الأيام الماضية تحديداً، شهدت تصعيداً كردياً في الاستهدافات، يحاول، على ما يظهر، جذب الأتراك نحو المنطقة.
ومن شأن الهجوم على حلب أن يحقّق مكاسب إضافية للحكومة التركية، التي تجد أن الملفّ السوري يشهد انفراجات غير مرغوب فيها من قِبَل أنقرة في الوقت الحالي. فالدول العربية تواصل مسار إعادة تطبيع العلاقات مع دمشق، فيما يبدو لافتاً إعلان المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا غير بيدرسن، عن التوصّل إلى اتفاق بين رئيسَي الوفدين الحكومي والمعارض في «لجنة مناقشة الدستور»، لطرح «مشروع الإصلاح الدستوري». ومع حشد الحكومة السورية، بالتعاون مع حليفها الروسي، لمعركة إدلب بعد أن فشل الجانب التركي في تنفيذ ما اتُّفق عليه في قمّة سوتشي، في آذار 2018، لنحية فتح طريق «M4» في الجزء الواصل بين حلب واللاذقية مروراً بمحافظة إدلب، يحضر ريف حلب الشمالي الأوسط كورقة ضغط على دمشق وموسكو لتأخير «معركة إدلب»، والذهاب نحو جولة تفاوضية جديدة بين أنقرة وموسكو حول المنطقة، بما يُبقي شمال غرب سوريا ضمن خارطة التهدئة المؤقتة.