«بعد مرور أكثر من ثلاثين عاماً على تأسيس معملي، أعرضه اليوم للبيع، بسبب كثرة الضغوط المرهِقة، وقد أهاجر إلى أيّ بلد يقدّر الصناعيين»، يقول الصناعي عبد القادر جلب، ذو السبعين عاماً، والتي قضى أكثر من نصفها في مجال الصناعة والإنتاج. وبعد محاولاته المتكرّرة التأقلم مع واقع الصناعيين المأزوم، وخاصة في مدينة حلب، قرّر الصناعي السبعيني أن يرمي كلّ شيء خلفه، ويرحل. وعلى رغم أن هذا ما فعله أيضاً صناعيّون كُثر في ظلّ أزمة اقتصادية خانقة، إلا أن الحديث عن هجرة جماعية لهم يبدو مبالغاً فيه، في سياق العمل على إشاعة الإحباط، وفق ما يرى البعض. لكن الأكيد أن تردّي الوضع الخدمي والمعيشي يجبر الكثير من الصناعيين على التفكير بالهجرة في الحدّ الأدنى.وفي هذا الإطار، يلفت عضو غرفة صناعة دمشق وريفها، ماهر الزيّات، إلى أن «الصناعي يقاوم حتى لا يغلق معمله، ورغم أنه فكّر بالسفر، لكن عمره وعمر آلات معمله لا يسمحان له، فهو يعمل حالياً للمحافظة على استثمار عمره»، متحدثاً عن «وجود دعم لتطفيش الصناعيين». وبالنبرة المتشائمة نفسها، يقول الصناعي علاء مرعي إنه «لا يرى آفاقاً للحلّ بعد تراكم المشاكل نتيجة سوء إدارة موارد البلاد»، مشيراً إلى أن «أكبر مشاكل تواجه صناعيّي حلب، هي انقطاع الكهرباء ونقص المواد الأولية وتقلّبات سعر الصرف، فضلاً عن الإتاوات المفروضة»، متسائلاً عن السبب الذي يعيق تشغيل مطار حلب الدولي، على رغم أن وضعه في الخدمة سينعكس إيجاباً على المدينة.
وليست هجرة الصناعيين السوريين وليدة اليوم، ففي بداية الحرب ومع حصار مدينة حلب، وقعت أكبر هجرة للصناعيين في تاريخ البلاد، حيث اضطرّ عدد كبير منهم ومن أصحاب رؤوس الأموال إلى الهجرة إلى مصر وغيرها من الدول. لكن تراكم مشاكل سابقة، وظهور أخرى جديدة، خلق حالة من فقدان الأمل، ما أفضى إلى موجة هجرة ثانية. وبحسب عضو اتحاد الغرف الصناعية السورية، مجد شيشمان، فإن «أبرز هذه المشاكل تتمثّل بحرمان مدينة حلب التي تُعدّ أكبر مدينة صناعية من الكهرباء، بعدما أمّنت الحكومة مولدات الأمبير (الاشتراك)، فكيف ستدور عجلة الإنتاج إذا كان الصناعي يدفع مبالغ كبيرة لتجّار الأمبير والمحروقات؟». ويلفت شيشمان، أيضاً، إلى «السماح باستيراد الأقمشة على نحو دمّر صناعة النسيج لمصلحة بعض التجّار، وبالمقابل كان التهريب الذي بقي مشرّعاً يساهم في تدمير الصناعة»، مضيفاً إن «الملاحقات الضريبية تسبّبت بتعرّض صناعيين لأزمات قلبية أودت بحياة أحدهم، كما يزيد الطين بلّة فرض إتاوات على البضائع الحلبية خلافاً للمحافظات الأخرى بحجّة أن أهل حلب ميسورون!».
في المقابل، يضع رئيس غرفة صناعة دمشق وريفها، سامر الدبس، الضجّة الكبيرة المثارة حول الهجرة إلى مصر، في إطار حملة ممنهجة أخذت أبعاداً غير واقعية، إذ «تَبيّن بعد التقصّي أنه لا يوجد هجرة لأعداد كبيرة من الصناعيين، بينما يتمّ الحديث عن هجرة 30 ألف صناعي». ويؤيّده في ذلك الصناعي عاطف طيفور، الذي يقول لـ«الأخبار» إن «الحديث عن هجرة جماعية للصناعيين والتجار مرفوض مطلقاً، فماذا تغيّر منذ عام إلى اليوم حتى يتمّ الحديث عن هجرة جماعية مع أنه يوجد تحسّن نسبي في دعم الصناعيين؟»، مرجعاً هذه «الحملة» إلى «ضغوط تُمارس للحدّ من ملاحقة المتهرّبين ضريبياً، ومواجهة قرارات تخصّ حركتَي الاستيراد والتصدير». ويدعو طيفور قطاع الأعمال إلى «عدم التهرّب من مسؤولياته الاجتماعية عبر المبادرة إلى دفع الضرائب وعدم تهريب أموال التصدير، وتشغيل المعامل»، مبدياً تفاؤله بـ«تحسّن الوضع الاقتصادي». ويشاركه تفاؤله عضو غرفة صناعة دمشق وريفها، أكرم الحلاق، عبر تأكيده أن «الوضع الصعب القائم سينجلي قريباً»، مضيفاً: «نحن اليوم في عنق الزجاجة، ومن حق البلد علينا التحمّل لحين انفراج الأزمة». ويبيّن الحلاق أن غرفة صناعة دمشق وريفها «لم تتلقَّ من أيّ صناعيّ أي كتاب لإغلاق منشآته بداعي الهجرة»، مشدداً على أن «المعامل رغم كل الصعاب تعمل وتنتج، مع تصدير بضائعها إلى الخارج».
يتّفق جميع الصناعيين، على اختلاف آرائهم، على أن الحلّ، ولو كان جزئياً، يكمن في معالجة بعض المشاكل المؤثّرة مباشرة على حركة الإنتاج والتصريف، وبالتالي الأرباح والأجور والمعيشة، كمسألتَي انقطاع الكهرباء والمحروقات. وهنا، يؤكّد شيشمان أنه «طالما لا يوجد حلول حقيقية، وخاصة لمدينة حلب، ستظلّ الصناعة الحلبية خصوصاً والسورية عموماً تعاني»، مستدركاً بأن «المعامل لو أُعطيت الكهرباء مع إلغاء الأمبير، سيكون هنالك بارقة أمل بعودة الإنتاج إلى سابق عهده، كون الكتلة المالية الكبيرة التي تذهب الآن إلى تجّار الأمبير، ستوضع حينها في خدمة الصناعة».