الخرطوم | مع اقتراب استحقاق تسلّم المدنيّين رئاسة «مجلس السيادة» الانتقالي وفق ما نصّت عليه «الوثيقة الدستورية»، رمى العسكر بكلّ ثقلهم لضمان استمراريّتهم في أعلى منصب سيادي، إلى درجة المطالبة بحلّ الحكومة وتعيين أخرى بدلاً منها بدعاوى توسيع قاعدة المشاركة فيها. ويعود ذلك، في جزء منه، بحسب مراقبين إلى أن رئيس «مجلس السيادة» عبد الفتاح البرهان، ومعه قائد قوات «الدعم السريع» محمد حمدان دقلو (حميدتي)، يخشيان في حال اكتمال مؤسّسات الحكم المدني من أجهزة عدلية وتشريعية، أن تطالهما المحاسبة على خلفية تورّطهما في جريمة فضّ الاعتصام، ولذلك يلوذان بكرسيّ السلطة لحماية نفسيهما. ولكي لا يبدو الأمر كما لو أنه انقلاب عسكري، يحشد الرجلان عدداً من القوى السياسية التي لم تجد لها موطئ قدم في الحكومة الانتقالية، فضلاً عن عدد من الإدارات الأهلية في الولايات، لإكساب خطواتهما المقبلة الشرعية اللازمة. ولم يُغفل القائدان العسكريان أهمية الإعلان عن وجود خلايا إرهابية في وسط الخرطوم وتصدّي القوى الأمنية لها، في محاولة لنيل تعاطف المواطنين.وبدت لافتة للانتباه، أخيراً، درجة انخراط القائد الأعلى للقوات المسلحة في الفعل السياسي، إلى حدّ تصدّيه للمطالبة بحلّ الحكومة الانتقالية التي يهيمن عليها «ائتلاف الحرية والتغيير»، وتعيين أخرى بدلاً عنها تضمّ مجموعات كانت حتى وقت قريب جزءاً من النظام السابق. وكرّر البرهان مطالبته تلك أمام عدد من ضبّاط القوات المسلحة في أكثر من مناسبة، قبل أن يرفعها بنفسه إلى رئيس الوزراء، عبدالله حمدوك، الذي التقاه أمس وقائد «الدعم السريع»، في محاولة لنزع فتيل الأزمة، بل إن البرهان رفع السقف إلى مستوى الدعوة إلى تجميد نشاط «لجنة إزالة التمكين» المَعنيّة بتفكيك نظام الثلاثين من حزيران. ووفق ما ورد من تسريبات، فإن حمدوك رفض قبول تلك المطالب، مذكّراً بأن «الحرية والتغيير» هي التي رشّحته لمنصب رئيس الوزراء وقيادة الحكومة الانتقالية. غير أن مراقبين لا يستبعدون تخلّي حمدوك، في نهاية المطاف، عن ذلك الرفض، وتجاوبه مع دعوة تغيير الحكومة بحجّة عدم إقصاء أحد، شريطة موافقة القوى الثورية ولجان المقاومة، نظراً إلى خشية الرجل من غضبة الشارع عليه، وليس وفاءً منه لقوى «الحرية والتغيير». فهو، ومنذ تسلّمه منصبه، عمل على الانعتاق من قيود حاضنته السياسية، وشكّل مجموعة من المستشارين بامتيازات مالية ضخمة تحت مبرّر حماية الانتقال، وأضحى متماهياً بالكامل مع هؤلاء.
يُنظر إلى الإرهاصات الانقلابية الحالية على أنها امتداد للانقلاب الأساسي عشيّة فضّ الاعتصام


وسبقت لقاء البرهان برئيس الوزراء لقاءات للأوّل مع ممثّلي المجموعة الأفريقية ومندوب الاتحاد الأفريقي في الخرطوم، بهدف طمأنتهم إلى كونه حامياً للفترة الانتقالية، وإقناعهم بضرورة توسيع قاعدة المشاركة لتضمّ كلّ القوى السياسية، مع تأكيد الالتزام بالشراكة المنصوص عليها في «الوثيقة الدستورية». غير أن تعهّدات البرهان أضحت، بالنسبة إلى كثيرين، مكشوفة ولا يُعوَّل عليها، إذ سبق له، إبّان فترة الاعتصام أمام القيادة العامة، أن تعهّد بعدم الاعتداء على المتظاهرين، لكن ما حدث فعلياً هو ارتكاب مجزرة قُتل فيها الآلاف، ورُميت جثث بعضهم في النيل. أمّا ما يحدث اليوم، فليس، وفق هؤلاء، إلّا محاولة لاستبقاء السيطرة على كُرسيّ الحكم.
وينظر محلّلون إلى الإرهاصات الانقلابية الحالية على أنها امتداد للانقلاب الأساسي عشيّة فضّ الاعتصام، ويرمون باللائمة في ذلك على ضعف قوى «الحرية والتغيير» وانقسامها واختراقها من قِبَل العسكر وفلول النظام السابق، إلى حدّ دعوة بعضها للخروج في مسيرات اليوم السبت، مؤيّدة لما ينويه البرهان، الذي يَنتظر أن تمنحه تلك المسيرات التفويض بقيادة البلاد إلى حين قيام الانتخابات على غرار تجربة عبد الفتاح السيسي في مصر. في هذا الوقت، دخلت الولايات المتحدة على خطّ الأزمة، بإصدار البيت الأبيض بياناً دعا فيه طرفَي «مجلس السيادة» إلى تجنّب ما سمّاها «سياسة حافّة الهاوية والاتهامات المتبادلة»، و«العمل معاً لحلّ أي قضايا خلافية من خلال الحوار وبدون شروط مسبقة».