بعد مطالبته بتشكيل «مجلس رئاسي» لمرحلة انتقالية، يبدو أن اللواء المنشق خليفة حفتر يعزز ضغوطه على سلطات طرابلس «في بلد أصبح وكراً للإهابيين»، كما وصف ليبيا خلال حديث له في وقت متأخر مساء الأربعاء «باسم الجيش» من شرق البلاد، لكنه لم يوضح بعد كيف سينفذ خطته.
هذا الحديث القوي للرجل الذي لم يسيطر حتى اللحظة على مساحات جغرافية أو مدن معينة، جاء بعدما حصل على دعم معنوي جديد أول أمس من وزير الثقافة حبيب الأمين الذي كان أول عضو في الحكومة يعلن صراحة دعمه العملية التي يقودها حفتر، بعد إعلان السفير الليبي لدى الأمم المتحدة إبراهيم الدباشي موقفاً مشابهاً في نيويورك.
وفي تفاصيل الطرح الذي قدمه اللواء العسكري باسم «المجلس الأعلى للقوات المسلحة»، مطالبةُ المجلس الأعلى للقضاء في ليبيا بـ«تكليف مجلس أعلى لرئاسة الدولة يكون مدنياً ومن مهماته تكليف حكومة طوارئ والإشراف على انتخابات برلمانية مقبلة».
وحتى مساء أمس، سادت أجواء هادئة طرابلس رغم استمرار التوتر بين الميليشيات الإسلامية ومجموعات حفتر، لكن تطوراً مهماً برز بإعلان «المجلس الأعلى لأعيان ليبيا للمصالحة الوطنية» رفضه العودة إلى ما سمّاه «الحكم العسكري» للبلاد. وقال رئيس المجلس محمد المبشر: «لا بد من التعقل والمصالحة ونبذ العنف بين الأطراف كافة»، مشيراً إلى أن «أعيان ليبيا لن ينحازوا إلى أي طرف، وهم يتابعون الأوضاع بترقب وقلق مستمرين». ومجلس الأعيان مؤسسة مدنية تضم مجموعة من أعيان القبائل وشخصيات أكاديمية أدت أدواراً كثيرة في حل النزاعات القبلية المسلحة في غرب وجنوب ليبيا على وجه الخصوص.


اكدت إيطاليا
أن الخيار العسكري ليس مرغوباً به
من جهة أخرى، جدد المتحدث باسم قوات «حفتر»، العقيد محمد حجازي، مطالبته للجانب المصري بمساعدتهم في «معركة الكرامة»، للتخلص من الجماعات المتطرفة في ليبياـ قائلاً: «هذا عشم الأخ في أخيه».
وأضاف حجازي في مداخلة هاتفية مع برنامج «بصراحة» على قناة التحرير المصرية مساء أمس، أن «قطر نقلت عددًا من قيادات وأعضاء جماعة الإخوان عبر طائرات إلى داخل ليبيا»، واتهمها بدعم «الجماعات المتطرفة».
في سياق متصل، وبشأن العسكريين الذي أعلنوا موالاتهم اللواء حفتر، فقد أصدر رئيس المؤتمر الوطني العام الليبي، نوري أبو سهمين، أوامره إلى وزير الدفاع في الحكومة عبدالله الثني (رئيس حكومة تسيير الأعمال أيضاً) باتخاذ «الإجراءات القانونية في حق الضباط والعسكريين الذين أعلنوا تأييدهم لعملية الانقلاب». ولم توضح المصادر الحكومية طبيعة الإجراءات القانونية التي ستتخذ بحق هؤلاء الضباط.
ورغم الضغط الميداني والسياسي الذي يمارسه حفتر وقواته، اكد المؤتمر الوطني العام الليبي (البرلمان) أمس تنظيم الانتخابات التشريعية في ليبيا في 25 حزيران، داعياً لجانه النيابية إلى تحضير انتقال السلطة إلى البرلمان المقبل.
وأعربت الولايات المتحدة عن استعدادها للمساعدة في تنظيم الانتخابات التشريعية في ليبيا على أمل الانتقال إلى حكومة أكثر استقراراً، كما أفاد مسؤولون أميركيون أول من أمس، مشددين على أن واشنطن تنتظر رداً رسمياً من طرابلس في هذا الخصوص. أما اللافت فهو قول السفيرة الأميركية في طرابلس ديبرا جونز، خلال زيارتها واشنطن، إن «حفتر لم يعلن أنه يسعى إلى الحكم أو إنه يريد تولي إدارة الدولة، لكنه بات الآن من القوى السياسية التي لا بد أن تشارك في الحوار»، مضيفة أن تحديد موعد الانتخابات التشريعية كان أحد أهداف الرجل.
في المقابل، قال رئيس وزراء ليبيا الجديد أحمد معيتيق إنه يريد «تشكيل حكومة منفتحة على كل الفصائل التي ترفض استخدام السلاح»، لكنه دعا إلى إجراء مفاوضات، قائلاً إنه مستعد لبدء حوار مع جميع الأطراف.
وبين محاولات الاستيعاب والتهدئة، طفا موقف جديد للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الذي يتزعمه الداعية يوسف القرضاوي أمس، بدعوة الليبيين إلى مواجهة «من يريد إسقاط الشرعية في بلادهم بحزم»، في إشارة إلى حفتر. وندّد بيان القرضاوي بـ«استخدام السلاح خارج إطار الشرعية».
يأتي هذا الموقف في مقابل آخر أقل تصعيداً أعلنته الجامعة العربية، حين قال مجلس الجامعة في البيان الختامي للاجتماع الطارئ الذي عقد أمسعلى مستوى المندوبين الدائمين أمس إنه يدعم جهود المصالحة والحوار بين أطراف الأزمة في ليبيا، من دون أن يتطرق إلى التحركات العسكرية التي يقودها اللواء المنشق.
الموقف الأوروبي عبرت عنه ايطاليا التي أكدت عبر وزيرة الخارجية، فيديريكا موغيريني، أن «الخيار العسكري في ليبيا ليس مرغوباً فيه».
وحذرت موغيريني على هامش الاجتماع لوزراء خارجية دول غرب المتوسط، أمس، من إمكانية خروج الوضع في ليبيا عن السيطرة وزيادة وتيرة الهجرة غير الشرعية إلى إيطاليا، إذا طال أمد النزاع.
وأضافت أنه ينبغي تمهيد الطريق لعملية الحوار والمصالحة الوطنية بمشاركة جميع الأطراف الفاعلة في ليبيا بدعم من المجتمع الدولي.
على الصعيد العربي، قالت الجزائر إن تعداد قواتها الموجودة على طول الحدود البرية للبلاد (6385 كلم منها 1000 مع ليبيا) حالياً أكثر من 150 ألف عسكري، أي نحو 30% تقريباً من مجموع قوات الجيش الجزائري. وأوضح وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة أن بلاده تتابع «بانشغال عميق» تطورات الوضع في ليبيا، مضيفاً أن «سلطات البلاد تشارك في مشاورات واسعة غير رسمية مع اطراف وشركاء مختلفين».
أما مصر، فقد قرر مجلس الوزراء، أمس، تشكيل لجنة وزارية برئاسة وزير الدفاع أو من ينوبه، وعضوية كل من وزراء الداخلية، الخارجية، النقل، الصحة، التضامن الاجتماعي، والطيران، وتكون اللجنة في حالة انعقاد مستمر لمتابعة الموقف في ليبيا.
(الأخبار، رويترز، أ ف ب، الأناضول)