على وقْع إكمال الأحزاب والقوائم والائتلافات تحضيراتها، تنطلق الانتخابات التشريعية العراقية يوم غدٍ الأحد، وسط ترقّب كبير لنتائجها بوصفها مصيرية وحاسمة، خصوصاً بعد تقديم موعدها كنتيجة لاحتجاجات تشرين الأول 2019. ويتأتّى هذا التوصيف من حقيقة وجود رهانات متجدّدة على تغيير وجه العراق السياسي من بوّابة البرلمان، والمقصود هنا تحديداً المحاولات الأميركية الحثيثة لضرب «الحشد الشعبي» والقوى السياسية المُمثّلة له، ربطاً بالهدف الكبير المتمثّل في إضعاف القوى المقاوِمة في المنطقة عموماً. على الأقلّ، هكذا يقرأ «الحشد» المسار الطويل من الاستهداف الذي يتعرّض له، والذي تعاظم مع انطلاق شرارة احتجاجات تشرين، ولا يبدو أنه سيتوقّف. والأكيد أن هذا الاستهداف، بشتّى أشكاله وصنوفه، ازدهر في موسم الانتخابات، وسيكمل بالزخم نفسه في المرحلة التي تَعقُب صدور نتائجها، و«المعركة» التي ستبدأ من أجل تكوين الكتلة الكُبرى التي ستسمّي رئيس الوزراء المقبل. ومن هنا، «محورت» العديد من الجهات برامجها الانتخابية وشعاراتها وأهدافها حول المطالبة بـ«ضبط السلاح المنفلت» و«عزل المنظومة الحاكمة»، فيما سادت توقّعات بأن يكون «الحشد» وداعموه أكبر الخاسرين في هذه الانتخابات.إزاء ذلك، يوضح المدير العام لمديرية الإعلام في «الحشد الشعبي»، مهند العقابي، في حديث إلى «الأخبار»، أن «الحشد ينظر إلى هذه الانتخابات، كما نظر إلى الانتخابات التي سبقتها، على أنها ممارسة ديمقراطية الهدف منها وحدة الدولة العراقية وصيانتها وضمان حق الناخب العراقي»، مؤكداً أن «الحشد الشعبي لديه جمهور عريض يؤمن به وبالعراق كبلد متعدّد». ويوافق العقابي على أن «هذه الانتخابات مصيرية ومهمّة جداً»، لافتاً إلى أن «الحشد لديه ثلاثة مرتكزات رئيسة يستند إليها في الاستحقاقات المهمّة، هي المرجعية الدينية والدعم الشعبي والجماهيري والدعم السياسي»، مشدّداً على أنه «لولا وجود كتلة سياسية قوية في البرلمان تُدافع عن الحشد لكانت هُدرت حقوقه، وبالتالي فإن الوضع السياسي الداعم للحشد هو سبب بقائه إلى اليوم». وعن التحالفات خلال الانتخابات، وعمّا إذا كانت ستتغيّر بعدها ربطاً بمساعي تشكيل الكتلة الكبرى في البرلمان، يقول العقابي إن «الحشد لديه تواصل مع العديد من القوائم والشخصيات المستقلّة التي تُعتبر مؤيّدة وداعمة له، مثل تحالف الفتح وتحالف العقد الوطني وتحالف دولة القانون وقائمة حقوق وائتلاف القوّة الوطنية لائتلاف الدولة بقيادة السيّد عمار الحكيم ورئيس الوزراء السابق حيدر عبادي، فضلاً عن العديد من الكيانات الأخرى والشخصيات المستقلة»، مضيفاً أنه «إذا شُكّلت الكتلة الكبرى وكانت الشخصية التي تسمّيها لرئاسة مجلس الوزراء مدعومة من الأطراف المؤيّدين للحشد، فإن الحشد حتماً سيدعمه». أمّا بخصوص موقف «المرجعية الدينية العليا»، الداعي إلى المشاركة في الاقتراع، فقد أثار تفسيرات وقراءات متعدّدة، منها ما وجد فيه «دعوة إلى التغيير»، على اعتبار أن تدنّي نسبة المشاركة سيُسهم - إلى جانب أسباب أخرى - في إعادة إنتاج الطقم السياسي نفسه، ومن ضمنه السياسيون المؤيّدون لـ«الحشد». وفي هذا الصدد، يرى العقابي أن «موقف المرجعية دائماً موقف أبويّ وراعٍ للجميع، وهي التي أفتت بوجود الحشد وحافظت على التنوّع داخله، وبالتالي هي لا تدعم جهة محدّدة أو شخصية بعينها، بقدر ما تدعم الجهات التي تحاول تعديل مسار العملية السياسية في العراق»، معتبراً أن «موقف المرجعية الدينية في العراق داعم لكلّ ما هو أفضل ويلبّي طموحات الشارع العراقي».
يبدو «الحشد» مطمئناً إلى نتيجة الانتخابات، بل ثمّة تقديرات لديه بزيادة محدودة في كتلته


وإذ لا تنفصل الانتخابات العراقية عن سياقات سياسية جذرية كثيرة آخذة في التبلور في المنطقة، فإن نتائجها تبدو بمثابة محدّد رئيس لاستراتيجيات دول جوار العراق إزاء هذا البلد، في المرحلة المقبلة، بل إن مخاضها نفسه شهد العديد من التدخّلات الخارجية التي قد تكون لها تأثيراتها في الحصيلة الانتخابية، خصوصاً أن للولايات المتحدة والسعودية والإمارات وغيرها منظّمات وشخصيات تخوض السباق الانتخابي بصفتها «مستقلّة». وفي هذا السياق، يقول مصدر سياسي في «الحشد»، لـ«الأخبار»، إن «الخوف من التدخّل الخارجي في الانتخابات العراقية موجود وقائم»، كاشفاً أن «الريسيفرات الخاصة بالمفوّضية العليا للانتخابات في العراق، موجودة في الإمارات، وهي دولة تحمل موقفاً معادياً للحشد الشعبي». وبالتالي، يضيف المصدر: «نتخوّف من أن يتمّ التلاعب بنتائج الانتخابات من قِبَل دول تخضع للإدارة الأميركية، وهي التي لا تريد بروز قوة برلمانية كبيرة داعمة للحشد».
لكن بعيداً من الدور الخارجي، تبرز الكثير من الانتقادات التي وُجّهت إلى التجربة السياسية لـ«الحشد الشعبي»، باعتبارها لم تقدّم جديداً لمصلحة العراقيين، بل أسهمت في توريط هذه المؤسسة في دهاليز السياسة والفساد. وفي ردّه على ذلك، يعتقد المصدر أن «هذه من السرديات الإعلامية التي تُروَّج لتشويه صورة الحشد الشعبي وإبعاد الناس عنه»، معتبراً أن «الانتقادات أغلبها ليس حقيقياً، فالإخفاق الموجود في العملية السياسية هو نتيجة الصراع السياسي، والسياسيون الموالون للحشد هم أكثر من قدّم وبذل»، مضيفاً أن «هؤلاء لم يكن لهم تمثيل حقيقي، خصوصاً في الحكومة الماضية التي أديرت بمزاجية بعيدة عن تطلّعاتهم، ولم تقدّم تلك الحكومة أيّ شيء للشعب العراقي». ويضع المصدر اللوم على «تدخّل الولايات المتحدة الأميركية والسعودية وغيرهما من الدول، فضلاً عن الصراع الطائفي، فكلّها عوامل قد تؤثّر على اختيار أعضاء فاعلين وناجحين في الحكومة والوزارات المختلفة».
على أيّ حال، التخوّف من التلاعب بنتائج الانتخابات موجود، إلّا أنه لا يعني بالنسبة إلى«الحشد» تسليماً للسردية المرَوَّجة عن أنه «أحد أكبر الخاسرين» في الانتخابات المقبلة، إذ إن «لدينا تقديرات بأن الخارطة السياسية لن تتغيّر»، بحسب المصدر نفسه، الذي يوضح أن «هذه التقديرات هي نتيجة للدراسات الخاصة والاستطلاعات التي قمنا بها»، متحدّثاً عن «إمكانية ازدياد عدد البرلمانيين الموالين للحشد بنسبة قليلة، لأسباب عدّة منها تفاعل العراقيين مع الحشد والهجمات التي يتعرّض لها، فضلاً عن اغتيال قادته». وإذ يبدي «الحشد» استعداده التامّ للانتخابات وارتياحه للتفاعل الشعبي مع أفكاره وبرامجه، فهو يَعتبر أن الهجمة الأميركية التي يتعرّض لها ساهمت في زيادة تعاطف الشعب العراقي معه. ولذا، يَتوقّع المصدر أن «أعداد البرلمانيين الذين يؤيدون الحشد الشعبي ستزداد إثر الانتخابات المقبلة»، مؤكداً «(أننا) لسنا متخوّفين من الانتخابات ونتائجها إذا سارت العملية الانتخابية بنزاهة وشفافية ومن دون تدخّل خارجي».