طرابلس | نصف انتخابات؛ هكذا يرغب البرلمان الليبي في أن تسير الأمور في البلاد، باقتصار استحقاق يوم الـ24 من كانون الأول المقبل على إجراء الانتخابات الرئاسية، على أن يعقبها بعد 30 يوماً إجراء الانتخابات البرلمانية، أي في النصف الثاني من كانون الثاني 2022، وهو ما اعتمده مجلس النواب كمادّة (رقمها 20) ضمن نصوص قانون الانتخابات البرلمانية، الذي يُعتبر آخر القوانين اللازمة لاستكمال المسار السياسي المتّفق عليه العام الماضي، والذي يُفترض أن يؤدّي إلى خلق نظام سياسي جديد. وعلى رغم أن مخرجات «ملتقى الحوار السياسي» في جنيف، والتي أنهت الحرب الدائرة في البلاد، حدّدت مواعيد الانتخابات، ورسمت هيكل النظام السياسي الانتقالي بقيادة رئيس الوزراء الحالي عبد الحميد الدبيبة، إلّا أن الاتفاقات التفصيلية التي أُبرمت خلال الشهور الماضية فرّغت العديد من تلك المخرجات من مضمونها، مانحةً العسكريين والمسؤولين في المرحلة الانتقالية إمكانية الترشّح، بالإضافة إلى التلاعب بتفاصيل القوانين التي حدّدت شكل النظام السياسي للدولة باعتبارها جمهورية تخلط بين النظامَين الرئاسي والبرلماني.ويسود الترقّب لمواقف الأطراف العربية والدولية من خطوة البرلمان التي يدعمها عقيلة صالح، رئيس المجلس، والتي تلاها إرسال القانون الجديد إلى مفوّضية الانتخابات ليكون قيداً مسبقاً على العملية الانتخابية لا يمكن تجاوزه، حتى في ظلّ رفض أطراف خارجية عديدة لتجزئة هذه العملية نتيجة مخاوف من تطيير البرلمانيات لاحقاً، خصوصاً أن «المادة 20» خلت من أيّ قيود تمنع تمديد صلاحية البرلمان الحالي ما لم تجرِ الانتخابات في موعدها.
وعلى رغم اعتماد البعثة الأممية، سابقاً، قانون انتخاب الرئيس الذي أقرّه مجلس النواب، إلّا أنها لم تردّ حتى الآن على قانون الانتخابات البرلمانية، الذي يَبرز احتمال الاعتراض عليه والدفْع في اتجاه تمرير قانون آخر عبر «ملتقى الحوار السياسي»، الذي يحاول عدد ليس بالقليل من أعضائه عقد جلسة قريبة لمناقشة القرارات التي يتفرّد صالح باتخاذها. بالتوازي مع ذلك، يبحث المجلس الرئاسي، بقيادة محمد المنفي، تداعيات خطوة مجلس النواب، في ظلّ مخاوف من أن تنعكس سلباً على عملية تسليم السلطة بعد انتهاء مهمّة السلطة الانتقالية، حيث ستظلّ البلاد لنحو 3 أسابيع تحت سلطة الرئيس بشكل مطلق، وهو سيناريو تجري مناقشته بشكل موسّع لإيجاد مخارج قانونية منه. وبينما رفض «المجلس الأعلى للدولة» إصدار قانون البرلمانيات بهذه الصياغة، ومن دون توافق مسبق، في مخالفة صريحة لـ«اتفاق الصخيرات»، وما تضمّنه من ضرورة توافق المجلسَين (الأعلى للدولة والبرلمان) على القوانين قبل إقرارها، لم تعتمد المفوّضية العليا للانتخابات، حتى الآن، القانون الجديد، الذي لا تملك سلطة الاعتراض عليه. وإذ يواصل رئيسها عماد السائح، بدعم كبير من السفارة الأميركية، التجهيزات اللوجيستية الخاصة بالعملية الانتخابية المرتقبة في كانون الأول، مع اقتراب الانتهاء منها أواخر الشهر الجاري، فإنه لم يَجرِ أيّ حديث إلى الساعة عن الاستعداد لانتخابات كانون الثاني.
أكثر من 7 آلاف مرتزق سوري في طريقهم للعودة إلى بلادهم قبل نهاية الشهر الجاري


وحدّد قانون الانتخابات البرلمانية عمر الناخب بـ18 عاماً على الأقلّ، والمرشّح للعضوية بـ25 عاماً كحدّ أدنى، مع اشتراط حصوله على مؤهّل جامعي أو ما يعادله، وتزكية 100 ناخب في دائرته الانتخابية. وبموجب المادة 18 من القانون، ستكون حصّة النساء من البرلمان المقبل 16%، بينما جرى تقسيم الدوائر الانتخابية إلى 13 دائرة موزّعة على 75 مركزاً انتخابياً بين الشرق والغرب والوسط. ولا تملك أيّ جهة ليبية أو حتى البعثة الأممية صلاحية تعديل أيّ من ضوابط القانون، الذي التزم ضمناً بخريطة الاتفاق السياسي بالإعلان عن الانتخابات الرئاسية في 24 كانون الأول، لكنه خلق حالة من الشكّ في شأن نوايا البرلمان، خصوصاً أنه يكلّف الدولة مزيداً من الأموال والأعباء. ودفعت هذه الشكوك والمخاوف، المنفي، إلى مناقشة تفاصيلها مع رئيس مفوضية الانتخابات يوم أمس على مدار عدّة ساعات، إلى جانب اتصالات مع الأجهزة الأمنية، تضمّنت رأياً استرشادياً بضرورة قياس ردود الأفعال قبل اتخاذ قرار حاسم بشأن العملية الانتخابية، في وقت فضّل فيه الدبيبة الصمت على القانون، مع تعهّده السابق بدعم إجراء الانتخابات في موعدها.
وتُجري البعثة الأممية اتصالات مكثّفة مع مختلف الأطراف في الداخل والخارج، والتي طرح بعضها إمكانية طلب حذف المادة 20 أو تعديلها، على أن يَصدر موقف رسمي أممي في وقت لاحق، وسط ترقّب له من مختلف الأطراف، بِمَن فيها مفوضية الانتخابات التي لم تُبدِ رأياً نهائياً، علماً أن رئيسها تعهّد في السابق بتنظيم البرلمانيات والرئاسيات في الوقت نفسه. وعلى رغم عدم وجود آلية مباشرة تسمح للبعثة الأممية بالتدخّل في عمل البرلمان، إلّا أن رفضها، على سبيل المثال لا الحصر، الاعتراف بقرار المجلس سحب الثقة من الحكومة، دفع البرلمان إلى تجاوز هذا القرار، وحتى التغاضي عن فكرة تشكيل حكومة جديدة، والتي كان طرحها عدد محدود من النواب.
اللافت أن خطوة البرلمان الأخيرة جاءت بالتزامن مع تحقيق انفراجة حقيقية في ملفّ المرتزقة ومغادرتهم الأراضي الليبية، والتي بدأت بالفعل منذ بداية الأسبوع الجاري، حيث غادر أكثر من 450 منهم في طريقهم إلى تركيا عبر المطارات الليبية، في رحلات جوية متّفق عليها سلفاً، في وقت تتواصل فيه عملية جمع البقيّة، خاصة في طرابلس، استعداداً لترحيلهم خارج الأراضي الليبية إلى وجهات مختلفة. وبحسب مصادر مطّلعة تحدّثت إلى «الأخبار»، فإن أكثر من 7 آلاف سوري في طريقهم للعودة إلى بلادهم قبل نهاية الشهر الجاري، بموجب تفاهم مصري - تركي تمّ التوصّل إليه في الفترة الماضية، وهو ما سيسهّل جزءاً كبيراً من مناقشات اللجنة العسكرية «5+5» التي بدأت في جنيف. ويُنظر إلى هذه الاجتماعات باعتبارها حجر الزاوية الذي ستتقرّر بناءً عليه جميع الخطوات المقبلة، سواءً في ما يتعلّق بالانتخابات، أو بتوحيد المؤسسات. وتفيد مصادر داخل اللجنة العسكرية، «الأخبار»، بأن اجتماعاتها الحالية، والتي تُختتم مساء اليوم، هدفها الاستقرار على الجدول الزمني لإخراج جميع المرتزقة بالتنسيق مع مراقبين دوليين، وهي الخطة التي يُتوقّع أن تستغرق 3 أشهر، لكنها قابلة للتنفيذ على أرض الواقع، مؤكدة أن هناك توافقاً على أهمية هذه الخطّة، التي تعمل على تطبيقها عدّة أطراف، من بينها مصر والجزائر اللتان تُجريان اتصالات ومشاورات مكثّفة لإنجاح هذا الاتفاق.
وبحسب المصادر نفسها، فإن عملية توحيد الجيش الليبي ستتمّ بشكل تدريجي، وبما يسمح بالقضاء على ظاهرة السلاح المنفلت، بعد حلّ الميليشيات كافة، وضمّ أفرادها إلى القوات المسلحة والأجهزة الأمنية. ووفق مراقبين، فإن قرار اللواء المتقاعد خليفة حفتر، الترشّح للرئاسة وتجميد أعماله العسكرية، سيكون من العوامل المؤثّرة بشكل إيجابي في مسار المفاوضات، علماً أن الرجل يسعى إلى ضمان بقائه على رأس المؤسسة العسكرية في حال خسارته الانتخابات.