رام الله | في خطوة مفاجئة وصادمة، شاركت السلطة الفلسطينية، على استحياء، في معرض «إكسبو دبي 2020»، جنباً إلى جنب إسرائيل، في مخالفة فاضحة لإعلانٍ سابقٍ العام الماضي، من حكومة محمد إشتية، بنيّة الإحجام عن المشاركة، «رفضاً لاتفاق التطبيع بين الإمارات وإسرائيل». وفي ظلّ هرولة أبو ظبي نحو الارتماء في أحضان العدو وتعزيز التطبيع معه، ضربت السلطة عرض الحائط بكلّ الدعوات التي كانت وُجّهت إليها سابقاً وفي هذا الشهر من أجل العزوف عن المشاركة، وآخرها دعوة حركة المقاطعة «B.D.S» و25 مؤسّسة من مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني إلى مقاطعة المعرض الذي تشارك في تأمينه وحراسته شركات أمنية إسرائيلية، ويضمّ جناحاً خاصاً تشرف عليه وزارة خارجية الاحتلال لأوّل مرّة في أرض عربية. والخطير في حضور رام الله «إكسبو دبي 2020»، الذي تمّ تأجيله السنة الفائتة بسبب تداعيات جائحة «كورونا»، ليس فقط الانخراط في حدث تَحضُره تل أبيب، بل في إضفاء شرعية على الجرائم الإسرائيلية في فلسطين، إذ تَعرِض إسرائيل في المعرض مجموعات متطوّرة من الأسلحة والتقنيات التي تستعملها في قتل الفلسطينيين والتنكيل بهم. كما يشارك فيه «الصندوق القومي اليهودي»، أحد أعمدة الاستيطان في فلسطين المحتلّة، والذي صادق أخيراً على منْح أكثر من مليار دولار لصالح الاستيطان وتوسيعه في الضفة الغربية.ورأى منسّق عام «الحركة الدولية لمقاطعة إسرائيل»، محمود نواجعة، أن السلطة «قبلت على نفسها أن تكون جسراً للتطبيع»، معتبراً أن «التطبيع أصبح نهجاً للسلطة، بخاصة مع استمرار التنسيق الأمني وزيارات الوفود الإسرائيلية ولقاءاتها في رام الله، عبر ما تُسمّى لجنة التواصل مع المجتمع المدني الإسرائيلي». وفي وقت سابق، حذّرت حركة المقاطعة من أن «مشاركة السلطة تعطي الشرعية للتطبيع الإماراتي، نظراً لقيادة الأخيرة موجة التطبيع عربياً»، مستغربةً هذه المشاركة في ظلّ دعوة البرلمان الأوروبي إلى مقاطعة «إكسبو دبي» بسبب سجلّ انتهاكات النظام الإماراتي لحقوق الإنسان، و«في الوقت الذي تتفاقم فيه عزلة النظام الإماراتي عربياً وعالمياً وعلى الصعيد الشعبي بسبب دكتاتوريّته وجرائمه بحق الشعب اليمني الشقيق والعمالة الوافدة، وأيضاً بسبب خيانته لقضية العرب المركزية».
كذلك، دانت فصائل فلسطينية مشاركة السلطة الفلسطينية في «إكسبو دبي»، واعتبرته تطبيعاً و«جريمة وطنية». ووصف القيادي في «الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين»، وسام زغبر، هذه المشاركة بأنها «مستفزّة، وتشجّع على التطبيع»، قائلاً: «بدلاً من فضح جرائم الاحتلال، تؤدّي السلطة دوراً عكسياً، ونحن نستغرب مشاركتها في المعرض على رغم وجود قرار سابق بعدم حضوه». واستهجن الناطق باسم حركة «حماس»، حازم قاسم، بدوره، خطوة حكومة إشتية، عادّاً إياها «جريمة وطنية وأخلاقية، وتمنح غطاء للخطوات التطبيعية في المنطقة وتضعف مسار مقاومة التطبيع»، مشيراً إلى أن خطورة المشاركة تكمن أيضاً في عرض إسرائيل أسلحة تقتل بها الشعب الفلسطيني، في ظلّ مقاطعة عدد كبير من دول العالم لتلك الأسلحة والمنتجات الإسرائيلية.
حاولت السلطة تمويه مشاركتها في المعرض لتجنّب ردّ الفعل الفلسطيني


في المقابل، حاولت السلطة تمويه مشاركتها في معرض «إكسبو دبي» لتجنّب ردّ الفعل الفلسطيني، إذ امتنعت عن الترويج إعلامياً لهذه الخطوة، وتجنّبت الإعلان عن أسماء المشاركين الفلسطينيين في المعرض. لكن وفق معلومات حصلت عليها «الأخبار»، فإن عدّة شركات وشخصيات فلسطينية شاركت في «إكسبو دبي»، بعدما سارت المباحثات والترتيبات لتجهيز الجناح الفلسطيني فيه بشكل سرّي، وتولّاها عدّة وزراء في حكومة إشتية، أبرزهم: وزير الشؤون المدنية وعضو اللجنة المركزية لحركة «فتح» حسين الشيخ، ووزير الاقتصاد خالد عسيلي، اللذان تواصلا مع شخصيات مشهورة وفنّانين وأدباء وشركات. ومن أبرز الشركات الفلسطينية المشاركة: «تو مي كوزماتكس» لمواد التجميل، «شركة الناشر للعلاقات العامة» التي تولّت تصميم الديكور الداخلي للجناح الفلسطيني، ويديرها رجل الأعمال سعد عبد الهادي، فضلاً عن شركة «نصار نصار» التي أسهمت في تزويد الجناح بالحجر والرخام المطلوب، فيما أشرف على تنسيقه محمد جبر، مدير «مطعم وكوفي شوب سلمى» في رام الله، نظراً لتولّيه سابقاً إدارة «شركة زين» للعلاقات العامة.
وعلى رغم محاولة السلطة إبعاد أيّ أضواء إعلامية عن حضورها «إكسبو دبي»، إلّا أن محاولتها تلك باءت بالفشل، لتتعرّض لموجة من الانتقادات التي لم تقتصر على الفصائل والقوى والشخصيات السياسية، بل شملت أيضاً ناشطين وفنّانين. وفي هذا الإطار، رأى فنّان الغرافيتي، حافظ عمر، أن «السلطة الفلسطينية عوّدتنا على المواقف بالشعارات فقط لامتصاص غضب الشارع الفلسطيني». وهاجم عمر الفنانين الفلسطينيين المشاركين بالقول: «كلّ سلطة لها مثقّفوها المدافعون عن نهجها، وهؤلاء انتهازيون ولا مبادئ لهم، وما يعنيهم مصالحهم الشخصية باسم الثقافة والفن، وتجب مقاطعتهم بدلاً من دعوتهم للتراجع». ووصف الفنان التشكيلي، ميسرة بارود، من جهته، الخطوة بأنها «صادمة وطعنة في الخاصرة، وتضرب صدقية السلطة الفلسطينية والفلسطينيين بين شعوب العالم المتضامنة مع القضية الفلسطينية»، معتبراً أن «هذا التطبيع هو إعلان سافر عن نجاح اتفاقيات التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي».
على أنه في نظر كثيرين لم تبدُ مشاركة السلطة في «إكسبو دبي» مستغرَبة، بسبب وجود مقدّمات لذلك، منها كثافة زيارات الوفود الإسرائيلية إلى رام الله ولقاءاتها بشخصيات من السلطة و«لجنة التواصل مع المجتمع الإسرائيلي»، إضافة إلى لقاء الرئيس محمود عباس وزير جيش العدو، بيني غانتس، أخيراً، ودعوته وزيرة الداخلية الإسرائيلية، إيليت شاكيد، إلى زيارته ولقائه، فيما بات واضحاً أن رام الله تراجعت عن موقفها الرافض للتطبيع، على عكس ما أظهرته عند توقيع دول عربية «اتفاقيات أبراهام» العام الماضي.