باريس | نفت السّلطات التونسية أول من أمس، ما راج من أخبار عن منع قائد المجلس العسكري بطرابلس الليبي عبد الحكيم بالحاج، من دخول التراب التونسي عبر مطار تونس قرطاج الدولي. إلا أن نفس هذه السلطات لم تنف وجود القائد الليبي على التراب التونسي في فترة تمرّ فيها السلطات الليبية بأزمة هي الأخطر منذ سقوط نظام العقيد معمر القذافي.
بالحاج غير مرغوب فيه بتونس

يُعتبر عبد الحكيم بالحاج، رغم صداقاته القوية في تونس بشخصيات سياسية نافذة، محل اتهام من قبل بعض الناشطين الحقوقيين بضلوعه في اغتيال السياسي اليساري شكري بالعيد. ففي مؤتمر صحافي بتاريخ 2 تشرين الأول 2013، كشف رئيس «مبادرة كشف حقيقة اغتيال شكري بلعيد ومحمّد البراهمي» المحامي الطيب العقيلي، عن تورط تنظيم الجماعة الليبية المقاتلة في هذه الجرائم، وكشف عن علاقات وطيدة تجمع بين عبد الحكيم بالحاج وقيادات من حزب حركة النهضة وقيادات أخرى من تنظيم أنصار الشريعة المحظور في تونس. ونقلت جريدة السور التونسية أخيراً، معطيات عن احتضان بالحاج في مخيّمات الجبل الأخضر والبريقة، لعمليات تدريب لجهاديين تونسيين متورطين في عملية الاعتداء على القاعدة النفطية عين أميناس جنوب الجزائر. وأضافت الجريدة نقلاً عن مصدر أمني جزائري على صلة بملف الاعتداء على القاعدة النفطية الجزائرية، أن عناصر إرهابيين يتلقون تدريبات في مخيم نالوت الجهادي، يشرف عليهم عبد الحكيم بالحاج وأبو دجابة، بقصد تنفيذ هجومات انتحارية وتفجيرات في كل من تونس والجزائر ومالي.

شبح حفتر يرافق بالحاج

كثيراً ما علل بالحاج زياراته لتونس بحجة التداوي في مستشفياتها، وكثيراً ما برر لقاءاته برئيس حركة النهضة راشد الغنوشي ورئيس الحكومة السابق علي العريض والأسبق حمادي الجبالي، بدعوى المجاملة. إلا أن زيارة قائد المجلس العسكري في طرابلس تأتي في ظرف أصبح فيه اللواء خليفة حفتر يشكل خطراً حقيقياً على السلطة الليبية وعلى العاصمة طرابلس. هذه الزيارة تبعث على الاعتقاد أن بالحاج جاء إلى تونس بحثاً عن سند سياسي وديبلوماسي يُخرج ليبيا من عزلتها وسط جيرانها، فلا مصر ولا الجزائر يمكنهما إنجاد السلطات الليبية.
الرئيس التونسي المؤقت والقائد الأعلى للقوات المسلحة منصف المرزوقي، كان قد عبّر لرئيس المؤتمر الوطني العام الليبي نوري أبو سهمين في مكالمة هاتفية مساء الأحد، عن مساندته لليبيا «في وجه كل التهديدات الموجهة ضد مؤسساتها الشرعيّة». وحال وصول بالحاج إلى تونس، توجه وفد أمني رفيع المستوى من القيادات التونسية إلى الجزائر قصد التنسيق الاستخباري والعسكري المشترك مع الجزائر، بخصوص الأزمة الليبية.

ليبيا، خطر داخلي وخارجي؟

تحتضن تونس مئات الآلاف من الليبيين. عددهم وفق ما صرّح به وزير الداخليّة التونسي عقب اجتماع مجلس الأمن يناهز مليوناً و 900 ألف شخص. وتحتضن ليبيا بدورها مئات الآلاف من التونسيين، والجدير بالذكر أن حدود تونس مع ليبيا لم تعرف الاستقرار منذ بداية أحداث الثورة الليبية، وخاصة أن هذه الحدود تخضع لسيطرة كتائب الزنتان الموالية لحفتر. وتشير تقارير وتسريبات عديدة إلى أن ليبيا تُعدّ المخزن الأساسي الذي يموّل الداخل التونسي بالأسلحة، كذلك فإنها أضحت مقراً لقيادات تنظيم أنصار الشريعة الذي جرى حصره في تونس، إضافة إلى رعايتها لمخيمات تدريب الجهاديين. وأمام هذه الوضعية واصطفاف أصحاب القرار السياسي، وبالأخص رئاسة الجمهورية وحزب النهضة الإسلامي بكل وضوح في الصف المعادي لحفتر، يخشى المتابعون من تفجّر الوضع في تونس وأن تتحول إلى امتداد جغرافي للصراع في ليبيا، أو أن تسعى قوى المعارضة الليبية إلى معاقبة تونس على موقف قياداتها السياسية بعدم التزام الحياد.

المعادلة الصعبة

أدت تونس دوراً محورياً في إسقاط نظام معمّر القذافي. وهي بولائها للمحور التركي ــ القطري، كانت كذلك أول من بادر إلى طرد السفير السوري واحتضان «مؤتمر أصدقاء سوريا». فمنذ البداية كانت تونس في المحور المناقض للمحور الذي انتمت إليه الجزائر. وتونس، حين سهّلت مرور أسلحة حلف شمالي الأطلسي إلى ليبيا وسمحت لقطر بإنشاء مخيم عسكري على أرضها، لم تستشر الجزائر ولم تسع إلى تنسيق عسكري واستخباراتي معها، بل إنها شكلت خطراً على أمنها. اليوم تتغير المعادلة، فليبيا المحاصرة شرقاً بجيوش السيسي، وغرباً بالجزائر، قد تمتد أزمتها خارج ترابها لتطاول الأراضي التونسية، وأياً كانت نتيجة الصراع على السلطة في ليبيا، فإن هذا الصراع لن يُعفي تونس من الإسهام في دفع ضريبة الحرب.
سقوط المؤتمر الوطني العام اللّيبي، بعد سقوط الإخوان في مصر وفشل إسقاط نظام الأسد في سوريا، يعني كذلك نهاية حلم الربيع العربي، والسقوط الحتمي للترويكا بتونس. فالحرب إذاً، لا تخدم مصالح السلطة السياسية في تونس، لذلك تعمد هذه السلطة إلى التنسيق مع الجزائر. فعلاقة تونس المتشنجة ديبلوماسياً مع مصر تمنعها من أن تطلب منها القيام بدور الوساطة بين الفرقاء في ليبيا، وليس لها من حل إلا الجزائر لإقناع حفتر بنزع بذلته العسكرية والجلوس إلى طاولة الحوار.
لكن هل ستقبل الجزائر ذلك؟ الأرجح أن مرور عبد الحكيم بالحاج بتونس للبحث عن مخرج للعزلة الليبية سيعمق العزلة التونسية وسيضعف من قياداتها السياسية. أما في تونس، فلن يحتاج الحكام إلى سيسي أو حفتر لإزاحتهم من السلطة، فالحراك الاجتماعي الذي أدى إلى إزاحة بن علي، رغم انتكاساته، لا يزال يحافظ على الشرارة الثورية.