أسبوعٌ واحد مُنح لمريم إبراهيم لتنقذ نفسها من الموت. حتى الخميس الماضي كان بإمكان مريم (27 عاماً) أن تحل حبل المشنقة بيديها عبر إشهار إسلامها. في أن تكون مريم مسلمة اعتنقت المسيحية، أو أن تكون قد نشأت على دين أمها الإثيوبية المسيحية، كما تقول، فارق لم يعنِ شيئاً للقضاء السوداني. فهي بنظر السلطات التي تطبق الشريعة الإسلامية منذ الثمانينيات، ولدت مسلمة ثم اقترفت بإرادتها «الردة»، قبل أن تغرق أكثر في «الحرام» وتتزوج رجلاً مسيحياً. خيارات شخصية أدت إلى مئة جلدة بتهمة «الزنا» تسبق الإعدام بتهمة «الرّدة».
مريم يحيى إبراهيم المولودة في دارفور (غرب السودان) حامل في شهرها الثامن ومسجونة منذ شباط الفائت مع طفلها البالغ سنة وثمانية أشهر في ظروف صحية سيئة.
محامي الاتهام مالك عبد الرحمن يروي قصة مريم على طريقته. يقول إن الحكاية بدأت عندما قدم أخوها بلاغاً بفقدانها عام 2012، قبل أن يُعثَر بعد فترة على هاتفها ويجري الاتصال بها. «حينها نكرت مريم أهلها وأمها وأخواتها»، يقول عبد الرحمن. ينفي محامي الاتهام أن تكون والدة مريم مسيحية أو إثيوبية. يؤكد أن والديها مسلمان ويقطنان في قرية في القضارف شرق السودان.
شقيق مريم من جهته، يقول إنها «تنصرت منذ فترة قصيرة» بعد أن كانت «مسلمة تقية». يعبّر عن صدمة أسرته بإنكار «الفتاة الضالة» لهم في وقتٍ هم يريدون فضح من يقف خلف «ضلال» ابنتهم. هي مؤامرة إذاً، حيكت ضد الفتاة الساذجة حتى وقعت في المحرّم. هذه رواية الطرف الآخر التي ترفض رفضاً قاطعاً مجرد التفكير في أن يكون اعتناق مريم للمسيحية ثم زواجها قرارات اتخذتها الفتاة الراشدة بملء إرادتها. فماذا عن رواية مريم وزوجها؟
يؤكد الزوج دانيل واني، المولود في جنوب السودان، أن مريم من دارفور ووالدتها إثيوبية أرثوذكسية، وهي تربت مع والدتها بعدما هجرهما الوالد، فلم تتعرف إلى ديانة غير المسيحية منذ الصغر. كانت مريم قد كررت مراراً أثناء المحاكمة أنها لم ترتكب الردة قط لأنها «مسيحية مذ كانت طفلة».
الخميس الماضي أصدرت «محكمة جنايات الحاج يوسف» في الخرطوم قرار الإعدام بحق مريم. «لقد أمهلناكِ ثلاثة أيام حتى تعودي إلى الإسلام، لكنك أصررت على الرفض، لذلك أحكم عليك بالإعدام شنقاً». بهذه العبارات رسم القاضي عباس محمد الخليفة مصيراً أسود للشابة السودانية. المحكمة كانت «متسامحة» مع مريم، فسمحت لها بوضع مولودها بعد شهرٍ قبل تنفيذ الحكم.
غير أن «العدالة» لم تقل كلمتها بعد في ما إذا كانت المئة جلدة ستنفذ قبل الولادة أو بعدها!
وقد عادت السلطة القضائية في السودان وأعلنت في بيان أن «حكم الإعدام الصادر بحق السودانية مريم ليس حكماً نهائياً». وقال البيان، الذي نقلته وكالة السودان للأنباء، إنه «أمام المدانة الفرصة الكاملة في الاستئناف والتأييد ثم المراجعة في المحكمة الدستورية إذا تطلب الأمر».
وشدد التعميم أيضاً على أن القضاء السوداني «يطبق القانون بمهنية وفي استقلال تام عن سلطات الدولة الأخرى وبمنأى عن تأثير وسائل وآليات تشكيل الرأي العام». العبارة الأخيرة وردت في إشارة إلى الضغوط الإعلامية والدولية التي انهالت على حكومة الخرطوم خلال الأسبوع الماضي، حين شُغل الإعلام الغربي والمنظمات الدولية بقضية مريم. فقد ظهر في هذا الإطار إعلام «العالم الحر» كمن وجد قصة جديدة تثبت «تخلف الشرق».
يقول ديبلوماسي غربي، لوكالة «فرانس برس»: «لقد صدمنا وحزنا لهذا الحكم الذي ينتهك الدستور السوداني والالتزامات الدولية».
الولايات المتحدة دعت السودان إلى «احترام الحرية الدينية التي يكفلها دستور البلاد». وعبّرت سفارات غربية في الخرطوم عن «قلقها العميق» من حكم الردة الذي يعد نادراً في الخرطوم الشهيرة بأحكام الجلد فقط.
وزير الإعلام السوداني أحمد بلال عثمان، من جهته، أكد أن بلاده ليست الوحيدة في العالم التي تطبق قانوناً ضد الردة. ويدعم عثمان موقفه في هذا الصدد قائلاً: «هناك العديد من الدول الإسلامية التي لا تسمح للمسلم بتغيير دينه، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية».
(الأخبار)