بغداد | يستذكر العراقيون بقلق فترة تشكيل الحكومة بعد إعلان نتائج انتخابات برلمان 2010، التي استمرت أكثر من سبعة أشهر، وصاحبتها خلافات سياسية عميقة، على خلفية قرار المحكمة الاتحادية المختصة بتفسير الدستور العراقي بعد توضيح مفهوم الكتلة البرلمانية الكبرى التي يحق لها تشكيل الحكومة.
وبينما يؤكد خبراء القانون والدستور صحة ما ذهبت إليه المحكمة الاتحادية، يبين آخرون عدم إمكانية عدول المحكمة عن تفسيرها الذي نص على أن الكتلة البرلمانية الأكبر هي الكتلة الأكثر عدداً عند انعقاد الجلسة الأولى لمجلس النواب، لا الكتلة الحاصلة على المركز الأول في نتائج الانتخابات.
وكانت نتائج الانتخابات البرلمانية عام 2010 قد أظهرت حصول القائمة العراقية بزعامة إياد علاوي على أكثر المقاعد بين الكتل الأخرى بـ91 مقعداً، وحل ائتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء الحالي نوري المالكي في المرتبة الثانية بحصوله على 89 مقعداً، فيما حل الائتلاف الوطني، الذي ضم كل القوى الشيعية الأخرى غير دولة القانون، في المرتبة الثالثة بحصوله على 70 مقعداً.
وكان إعلان التحالف الوطني (دولة القانون + الائتلاف الوطني بزعامة رئيس الحكومة العراقية السابق إبراهيم الجعفري)، قد أضاع فرصة تسيّد قائمة علاوي أو تحالفها مع قوى أخرى لتشكيل الحكومة، الأمر الذي فسح المجال أمام المالكي ليناور مع قوى الائتلاف الوطني، لتوليه رئاسة الحكومة لدورة انتخابية ثانية، ولا سيما أن كتلة التحالف الوطني ضمت 159 مقعداً، وكان بإمكانها عقد تحالفات مع القوائم الصغيرة أو الأقليات أو الأكراد فقط لتشكيل الحكومة. إلا أنها دخلت في مفاوضات مع القائمة العراقية المعترضة على تفسير المحكمة الاتحادية، بعدما وصف إياد علاوي تفسير المحكمة الاتحادية بـ«غير الملزم»، وما يجري بأنه «انقلاب على نتائج الانتخابات».
ويقول الخبير القانوني زهير ضياء الدين، في حديثه لـ«الأخبار»، إن «تفسير المحكمة الاتحادية كان صائباً، لأن الدستور نص على الكتلة البرلمانية الأكبر، ولم يقل الفائز الأول»، مشيراً إلى أن «الساسة لم يكونوا يدركون معنى ذلك لأنهم كانوا متقولبين وفق النظام الانتخابي القديم الذي يؤدي إلى تشكيل كتل سياسية كبرى ويبعد الكتل الوسطى والصغيرة».
وأضاف أن «النظام الحالي سانتليغو المعدل يكشف صحة تفسير المحكمة الاتحادية، بعد أن دخلت معظم الكتل السياسية في عدة قوائم صغيرة ومتوسطة لتأتلف في ما بعد داخل قبة البرلمان وتشكل الكتلة الأكبر التي يقصدها الدستور».
في غضون ذلك، أكد الخبير الدستوري محمد نور، أن «تفسير المحكمة الاتحادية لا يمكن التراجع عنه»، لافتاً إلى أن «المخاوف من ميول الاتحادية لدولة القانون وتغيير تفسيرها بعد إعلان نتائج الانتخابات أمر غير معقول، وغير دستوري، ولا يمكن أن يحدث، لوجود مواد دستورية صريحة تنص على التفسير الدائمي للمحكمة الاتحادية».
وأضاف أن «الكتل الفائزة تستبق في العادة الجلسة الأولى البروتوكولية للبرلمان لعقد اتفاقات وتحالفات في ما بينها لإعلان الكتلة الأكبر»، مشيراً إلى أن «الدستور في المادة 54 نص على إصدار مرسوم جمهوري بعقد الجلسة خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ التصديق على نتائج الانتخابات العامة».
يذكر أن التصديق على نتائج الانتخابات في الدورة الماضية 2010، استغرقت أكثر من شهرين بسبب اعتراضات بعض الكتل، ومطالبة البعض الآخر بإعادة العد والفرز يدوياً بدلاً من العد الإلكتروني، لكنها لم تكن مدة كافية لاكتمال التحالفات السياسية، واستمرت المفاوضات لحين مبادرة رئيس إقليم كردستان مسعود البرزاني، التي جمعت كل القوى السياسية في أربيل وأعلنت عقد اتفاق يفضي إلى تشكيل حكومة شراكة وطنية.
أربع سنوات مضت، تغيرت خلالها الخريطة السياسية والتحالفات، وظهرت قوى وتفككت أخرى، فيما بقيت الحكومة والبرلمان على غير وفاق، ما أدى إلى تبادل الاتهامات، وتعمد التعطيلات التشريعية والتنفيذية من قبل الطرفين.