لم تُلقِ حركة «النهضة» بثقلها في الاحتجاجات، بل أوكلت المهمّة إلى شركائها السابقين في الحكم
ولم تُلقِ حركة «النهضة» بثقلها في الاحتجاجات، بل أوكلت المهمّة إلى شركائها في الحكم قبيل تجميد البرلمان وإعفاء الحكومة من مهامّها. ولا تعوز الحزبَ الأوّل في الانتخابات، وسائلُ التعبئة والتحشيد والحضور في الشارع، ولكن جملة من الاعتبارات دفعته إلى تحريك الاحتجاج من الخلف من دون أن يتصدّر المشهد. وفي مقدّمة تلك الاعتبارات، عزوف فئة واسعة من أنصار «النهضة» عن الخروج لمساندة زعيمها راشد الغنوشي في 26 تموز الماضي، وخشية الحركة من تكرّر السيناريو ذاته إذا دعت إلى التظاهر مرّة أخرى، علاوة على الانقسام الداخلي الحادّ داخلها، وإقدام زعيمها على تجميد عضوية قيادات تاريخية للحزب. وكان لهذا الوضع الداخلي وقعه على تحرّكات «النهضة» التي لا يمكنها المغامرة بتصعيد غير محسوب العواقب، بالنظر إلى تراجع شعبيتها. وتُضاف إلى ما تَقدّم معطيات مهمّة على الساحة السياسية وضعت الحركة في ما يشبه عزلة سياسية، على رغم محاولاتها تجميع المناوئين لسعيد في صفّها، من أجل تكوين جبهة سياسية مضادّة للرئيس، إذ إن الأطراف السياسية الرافضة لمسار 25 تموز وما تلاه، تسعى، على رغم التماهي في المواقف أو المصالح بينها وبين «النهضة»، إلى تكريس قطيعة مع الأخيرة، ومن ذلك عودة أحزاب الوسط إلى التنسيق في ما بينها من دون توسيع دائرة التشاور لتشمل الحركة أو شركاءها السابقين في الحكم. والتقت أحزاب «التيّار الديمقراطي» و«التكتل الديمقراطي» و«الجمهوري» و«آفاق» و«الأمل» الأسبوع الماضي، وأصدرت موقفاً محذّراً من الانحراف بالسلطة والاعتداء على الحقوق والحريات، من دون أن تغفل تحميل «النهضة» مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع. وفي الاتجاه ذاته، جاء موقف «الاتحاد العام التونسي للشغل» الرافض للاحتجاج والمعوّل على التفاهمات السياسية بدل التصادم الشعبي، وهو ما عبّر عنه الناطق باسم المنظمة، سامي الطاهري، باعتباره أن التظاهرات ستؤدي إلى تقسيم التونسيين وإعادة فوضى الاستقطاب مرّة أخرى إلى الشارع. وعلى المنوال نفسه، لا تزال المنظّمات الوطنية المهمّة تُوجّه دعواتها إلى الرئيس وطاقمه الاستشاري للجلوس إلى طاولة الحوار، وفتح نقاش حول خيارات سياسية كفيلة بـ«تصحيح المسار».
في المقابل، يواصل ساكن قرطاج تجاهله لدعوات الحوار هذه، مكتفياً بمخاطبة الشارع، في وقت بدأت تعلو فيه موجة التذمّر من بطء «مسار الإصلاح» وغياب إجراءات تضرب منظومة الفساد في العمق. ولكن مع ذلك، يبدو أن القاعدة المؤيدة لسعيد لا تزال على وسعها، إذ تظهر نتائج استطلاعات الرأي الأخيرة أن الرئيس يتصدّر الشخصيات الحاصلة على ثقة التونسيين، وأن حزبه الذي لم يتشكّل بعد يتقدّم نوايا التصويت إن أُجريت انتخابات تشريعية سابقة لأوانها. لكنّ مراقبين يرون أن استمرار الرئاسة في التأنّي بشأن تعيين رئيس حكومة ومصارحة التونسيين بملامح المرحلة المقبلة، إن استمرّ أسابيع أخرى، سيكون كفيلاً بتغيير التمثّل الشعبي الحالي من «الرئيس المنقذ» للبلاد من منظومة الفساد، إلى تمثّلات جديدة عنوانها الارتباك والتعثّر.