طرابلس | طوى رئيس الحكومة الليبيّة، عبد الحميد الدبيبة، مؤقّتاً، صفحة الخلافات مع رئيس البرلمان، عقيلة صالح، السّاعي للوصول إلى منصب رئاسة الجمهورية، مستفيداً من قدرته على الترشّح باعتباره ليس طرفاً في السلطة الانتقالية التي جرى اختيارها بموجب مخرجات الحوارات السياسية. وتضمّنت تفاهمات الدبيبة ــ صالح، التي أعقبت قبول الأوّل بالمثول أمام البرلمان لاستجوابه، عدم وضع «فيتو» على خوض الثاني السباق الرئاسي، أو اعتبار ذلك عائقاً أمام إجراء الانتخابات في موعدها. وبموجب تلك التفاهمات، اعتمد البرلمان قانون انتخاب الرئيس، ليسارع المبعوث الأممي إلى ليبيا، يان كوبيش، إلى تصديقه وإرساله إلى مجلس الأمن باعتباره قانوناً نهائياً ستجري على أساسه الرئاسيّات بالتزامن مع البرلمانيات يوم 24 كانون الأول المقبل، علماً أنه سيحدّد، إلى جانب قانون مهمّ آخر، ملامح النظام السياسي للدولة الجديدة. وأثارت خطوة كوبيش اعتراض «المجلس الأعلى للدولة»، باعتبارها متعارضة مع ما جرى التوافق عليه مسبقاً، من ضرورة أن يكون إصدار القوانين بالتنسيق بين «المجلس الأعلى» والبرلمان.وحدّد القانون، الذي تضمّن 77 بنداً، بشكل واضح، تعريف النّاخب، وصلاحيات الرئيس واختصاصاته وآليّة انتخابه، بالإضافة إلى شروط ترشّحه، والتي في مقدّمتها أن يكون مسلماً ليبيّ الأب، وأن لا يقلّ عمره عن 40 سنة مع عدم صدور حكم نهائي في حقّه من جناية أو جريمة مخلّة بالشرف أو الأمانة، وهو نص سيعيق ترشّح نجل الرئيس الرّاحل معمر القذافي، سيف الإسلام، الذي بدأ التحرّك أخيراً في الداخل والخارج، فيما يبدو أنه يحظى بترحيب جزائري غير معلَن. ويسمح القانون للعسكريين بالترشّح للرئاسة، شرط توقّفهم عن ممارسة مهام عملهم قبل موعد الانتخابات بثلاثة أشهر، مع إتاحة إمكانية العودة أمامهم في حال لم ينجحوا في الانتخابات، وهو ما قد يولّد مشكلةً متعدّدة الأبعاد، بالنظر إلى غياب الآليات المنظّمة لقيام هؤلاء بأعمالهم خلال الفترة الفاصلة بين الترشّح وانتهاء الانتخابات. واشترط القانون من أجل الفوز، حصول المرشّح على 50%+1 من إجمالي الأصوات الصّحيحة في الجولة الأولى، على أن يخوض الفائزان الأوّلان الجولة الثانية. كما حدّد التقسيم الإقليمي للمناصب بأن يكون نائب رئيس الدولة ورئيس الوزراء من إقليم غير الذي يتحدّر منه الرئيس، وأن يكون كلّ منهما أيضاً من إقليم مختلف، مع أحقّية الرئيس في اختيار رئيس الوزراء وتكليفه بتشكيل الحكومة وإقالته، إلى جانب القيام بمهامّ القائد الأعلى للجيش الليبي، فيما تُشترط موافقة مجلس النواب على تعيين رئيس جهاز المخابرات وإقالته.
حدّد القانون الذي تضمّن 77 بنداً صلاحيات الرئيس واختصاصاته وآلية انتخابه


ويأتي إقرار قانون انتخاب الرئيس بعدما عجز «ملتقى الحوار السياسي» عن تمرير القاعدة الدستورية لإجراء الانتخابات، بينما يسعى صالح الآن إلى إجراء الانتخابات البرلمانية على أساس القانون الحالي نفسه، مع احتمال إجراء تعديلات عليه قبل نهاية الشهر الجاري، بما من شأنه إقصاء «الملتقى» نهائياً. وفي وقت يواصل فيه الدبيبة ووزيرة خارجيته، نجلاء المنقوش، توفير مستلزمات مفوضية الانتخابات، سواءً لناحية الدّعم المالي أو التسهيلات اللوجيستية، تستمرّ عملية الترتيب للمراقبة الدولية، والتي ستكون من خلال منظّمات حقوقية دولية وأخرى إقليمية ومتابعة أممية. وبلغ عدد المسجّلين للتصويت أكثر من 2.8 مليون ناخب، في ظلّ وجود توجّه للسماح لليبيين المقيمين في الخارج بالتصويت عبر السفارات في مختلف دول العالم. وانسحبت الحلحلة السياسية على مستوى الوضع المالي، حيث استُؤنف السّعي إلى توحيد مصرف ليبيا المركزي في أسرع وقت ممكن، من أجل تجنّب إجراء تعديلات جوهرية في سعر الصرف.
أمّا الجانب الأمني فيبقى الأصعب على الإطلاق، لاسيما في ظلّ غياب الرؤية الواضحة في شأن توحيد المؤسسة العسكرية، وهو ما تجري الآن مناقشته في اللجنة العسكرية المشتركة (5+5)، والتي يُفترض أن تضع خطّة عمل من أجل انسحاب متسلسل ومرحلي يمكن التحقّق منه على أرض الواقع، على أن يبدأ بانسحاب المرتزقة والمقاتلين الأجانب، والذي تلعب وزيرة الخارجية، نجلاء المنقوش، دوراً في التنسيق مع بعض الأطراف الدّولية من أجل إتمامه قريباً. ومن المقرّر أن تستضيف العاصمة المصرية القاهرة اجتماعاً لدول الجوار الليبي من أجل مناقشة التفاصيل الخاصة بإجلاء المرتزقة بشكل منظّم، بما يستبعد توليد مشاكل أمنية للدول المعنيّة، فيما تُتوقّع إعادة فتح الحدود بين تونس وليبيا خلال الأيام المقبلة، وفق ما اتُّفق عليه خلال زيارة الدبيبة إلى تونس.