في ضوء الصفة القانونية التي فرضها الاحتلال الإسرائيلي بقوة السلاح والمشروعية الدولية التي بسطها المجتمع الدولي على إجراءاته، تكاد توصف الضحية الفلسطينية بأنها الوحيدة الخارجة عن القانون في العالم، حتى لو دمر بيتها أو اعتقلت. وبناءً على ذلك، فإن الإجراءات التي تتخذ بحق الفلسطيني ليست سوى تعبير عن ضرورة «تأديبه» ومظهر لـ«الاحتلال الحضاري».
ومن ضمن تلك الإجراءات القانونية التي ابتكرتها إسرائيل، قانون «الاعتقال الإداري»، وهو اعتقال تنفذه أجهزتها الأمنية المتعددة استناداً إلى أمر إداري فقط، أي دون قرار قضائي أو لائحة اتهام أو حتى محاكمة. واليوم يسير هذا الاعتقال في إسرائيل تحت غطاء كبير من السرية لا يتيح للمعتقلين أنفسهم أن يدبروا دفاعاً لائقاً، كذلك فإنه يمدد لوقت غير محدود. وعلى هذا الأساس، استفادت إسرائيل طوال السنوات الماضية من صيغتها المبتكرة لتعتقل آلاف الفلسطينيين إدارياً، ومددت اعتقال كثيرين منهم بصورة مستمرة دون تقديمهم إلى المحاكمة أو الإفصاح عن التهم الموجهة ضدهم، وترافقت تلك الإجراءات مع منعهم ومحاميهم من معاينة موادّ الأدلة لمدد راوحت بين بضعة أشهر إلى سنوات.
وما يفسر لجوء الاحتلال إلى هذه الآلية أنها بديل مريح من الإجراءات الجنائية، ولا سيما أن الادّعاء يفضل التعتيم على الأدلة الموجودة ضدّ المعتقل. ولتنظيم عملية الاعتقال الإداري، سنّت إسرائيل مجموعة قوانين تتيح لأجهزتها الاحتفاظ بالفلسطينيين في السجون.
ومن هذه القوانين التشريعات العسكرية السارية في الضفة المحتلة، ويجري بموجبها احتجاز معظم المعتقلين الإداريين استناداً إلى أوامر اعتقال فردية وفق قاعدة ترتبط بأن «الاعتبارات الخاصة بأمن المنطقة أو أمن الجمهور تستوجب الاعتقال»، كذلك يحق هنا للقادة العسكريين تمديد الاعتقال الإداري لمدة لا تزيد على ستة أشهر، لكن لم تُحدَّد في الأمر المدة التراكمية القصوى لاحتجاز الشخص في «الإداري»، لهذا يمكن تمديد الاعتقال المرة تلو الأخرى، ووصلت مع بعض المعتقلين إلى 11 سنة متواصلة.
كذلك يبرز قانون الصلاحيات الخاص بالطوارئ الساري في إسرائيل، وحل بدلاً من الاعتقال الإداري الذي كان معتمداً في أنظمة الطوارئ في عهد الانتداب البريطاني.
ويصير القانون ساري المفعول بعد إعلان الكنيست حالة الطوارئ، لكن هذا الوضع معلن في إسرائيل منذ إعلان الدولة، وهو يفوض وزير الدفاع سجن الشخص ضمن الاعتقال الإداري لمدة لا تزيد على نصف سنة أيضاً.
هذا القانون (الطوارئ) يتيح أيضاً تمديد أوامر الاعتقال بنصف سنة إضافية في كل مرة دون تقييد لعدد التمديدات، ورغم ذلك يمنح للمعتقل في القانون الأخير حمايات لا تُمنح له في أوامر الاعتقالات الإدارية، وخاصة ما يتعلق بأقصى مدة تمر قبل عرضه على قاضٍ إضافة إلى وتيرة الرقابة القضائية. كذلك يتيح القانون المذكور الاعتقال الإداري لسكان إسرائيل وسكان المناطق التي احتلتها إسرائيل، وكذلك لمواطنين من دول أخرى.
وهناك قانون ثالث عنوانه «سجن المقاتلين غير القانونيين» الذي سرى مفعوله عام 2002. وقد كان يهدف إلى التمكن من التحفظ على لبنانيين كانوا مسجونين في ذلك الوقت في إسرائيل، كـ«ورقة مساومة» لاستعادة أسرى وجثامين. وينظم هذا القانون السجن للمواطنين الذين يقاتلون إسرائيل ولا يحظون من ناحية القانون الدولي الإنساني بمكانة أسرى حرب، ويعرف «المقاتل غير القانوني» على أنه كل إنسان يشارك في العمليات ضد إسرائيل، حتى إن كان بذلك بصورة غير مباشرة، وكذلك كل إنسان ينتسب إلى قوة مقاتلة ضد إسرائيل.
ويتيح قانون المقاتلين سجن مثل هؤلاء الأشخاص ضمن الاعتقال الإداري دون تقييد للوقت إذا رأى رئيس هيئة الأركان في الجيش الإسرائيلي أو ضابط بدرجة رفيعة جرى تأهيله لذلك، أن إطلاق سراح معتقل ما يمس أمن الدولة.
وبموجب هذا القانون يُعتقل فلسطينيون من سكان قطاع غزة دون تقديمهم إلى المحاكمة، رغم أن التشريعات العسكرية بخصوص غزة كانت قد ألغيت مع تطبيق خطة «الانفصال» في شهر أيلول 2005.
(الأخبار)