اجتاحت العالم الافتراضي صورٌ لشبانٍ يحملون ورقة بيضاء مكتوباً عليها «مي وملح = كرامة»، في إشارة إلى إضراب الأسرى الإداريين. الفكرة التي بدأت فجأة بالتزامن مع الإضراب، لم تلبث أن تحوّلت إلى مشروع أكبر. فالشباب القائمون على الفكرة ممن أضناهم عجزهم عن فعل شيء دعماً للحركة الأسيرة المضربة عن الطعام، وجدوا أن بإمكانهم إشعال صفحات العالم الافتراضي وتذكير من فيه بمعاناة هؤلاء الأسرى وما يفعلونه في مواجهة عمادها البطون الخاوية، حتى بات نشاطهم يستقطب فئات متعددة.
عبد الرحمن جاسم، صحافيٌ فلسطينيٌ يقيم في لبنان وبدأ الفكرة فيه، يشرح سبب خطوتهم بالقول: «سئمنا ما يحدث، فعادةً ننزل إلى الاعتصام دعماً للأسرى ليستغل أصحاب النفوذ من قادة التنظيمات وغيرهم التحرّك ويبدأ البازار»، مستطرداً: «ساعةً يريدون تجيير النشاط لمصلحة تنظيماتهم وصراعاتها، وطوراً يريدون أن يخطبوا في الناس دون أي فائدةٍ تذكر. لذا كان لا بد من فعل شيء، ولو كان على أضعف الإيمان».
ويضرب جاسم مثالاً ليدل على نجاعة هذه التحركات، حتى لو كانت على الإنترنت، بأنَّه خلال سجن المقدسي سامر العيساوي دخلت فتاتان من مدينة يافا المحتلة إلى المستشفى حيث كان يعالج، «وغنّتا له نشيد «موطني» وصوّرتا الحدث الذي بثّ على الإنترنت»، مشيراً إلى أن سامر بعد خروجه من المعتقل نقل أنه كان يسمع الصوت وأن روحه كانت ترفرف معهما.
وكما العيساوي، يرى الصحافي الفلسطيني أن كل الأسرى يعنيهم تعاطف الناس معهم، مضيفاً: «أسوأ ما يمكن أن يحدث للأسير ألا يدرك أحدٌ حجم معاناته وما يمر به. وما نفعله في مي وملح أننا نقول للناس تذكروا أن هناك أسرى لا نخجل بهم أو بمعاناتهم».

أسوأ ما يمكن أن
يحدث للأسير ألا يدرك أحدٌ حجم معاناته وما يمر به
ويذكر القائمون على الحملة من عدة دول عربية وأجنبية أن حجم المشاركة كان كبيراً، موضحين أن هاشتاغ الحملة انتشر بصورة غير متوقعة في كل من لبنان والأراضي المحتلة وعدد من الدول العربية وأميركا وأستراليا ودول أوروبية أخرى. ويعلق جاسم هنا: «كلهم يريدون دعم الأسرى، وهذا يؤكد أن شعبنا لا يزال حياً، وليس أبرز من ذلك إلا استشهاد الشباب أمام سجن عوفر وهم يواجهون الرصاص الحي بصدورهم العارية تضامناً مع الأسرى وإحياءً لذكرى النكبة، وليست أول مرة يقول فيها الفلسطيني كلمته بجسده ودمه».
من جهتها، ترى الناشطة لمى الصياد، من مدينة صيدا جنوب لبنان، أنَّ هذه الصور تساعد على تذكير من نسي قضية الأسرى، وتساهم في إعادة التعاطف معهم ومع القضية الأصلية التي هي فلسطين. وتعزو مساهمتها في النشاط إلى أنها كانت تريد أن تفعل شيئاً للأسرى. وتقول الصياد لـ«الأخبار»: «جرّبت أن أنزل إلى الشارع لتوزيع المياه والملح على المارة تذكيراً بمعاناة الأسرى، لكن وجودي وحدي لم يساعدني، لذلك قررت الانضمام إلى هذه الحملة والمشاركة معها في فعاليتها الرئيسية».
أما المصوّر الصحافي إياس أبو رحمة، من قرية بلعين في الضفة المحتلة، فذكر أنه كان من أوائل من شاركوا في «مي وملح»، لافتاً إلى أن الأسرى الفلسطينيين يعنيهم أن يعرف العالم قضيتهم، «فالأسير يخشى أن ينساه الناس، أو ألا يعرفوا لِمَ دخل الأسر أصلا».
عربياً، كان هناك تفاعلٌ سريعٌ مع الحملة، وهو ما يؤكده عضو المكتب السياسي في حركة الشعب التونسية أسامة عويدات الذي أبدى استعداد التونسيين للمساهمة في أي شيء من شأنه تفعيل قضية الأسرى والمساعدة على إخراجهم من معتقلاتهم إلى الحرية. وأشار عويدات في حديثه إلى «الأخبار» إلى أنهم لا يتضامنون مع الشعب الفلسطيني لأنهم يرون أن الفلسطينيين متوحدون معهم، «فقضية هذا الشعب هي أساس النضال الوطني التونسي، ولم تغب مرة واحدةً عن المناضلين التونسيين».
كذلك، المخرج والممثل الفلسطيني شيكس العلي المقيم في الأردن ينقل وجهة نظر مساندة بقوله إنهم وجدوا أن فكرة الحملة صادقة وفعالة، «لذلك طورناها وقررت مجموعة من الشباب في عمان إنتاج عدة فيديوات تحكي فكرة الإضراب عن الطعام وتحاكي الأسر»، متابعاً: «بطبيعة الحال لم تكن الفيديوات طويلة، بل بمقدار الدقيقة أو الدقيقة والنصف حتى تناسب مسار الحملة على الإنترنت وتوصل شيئاً كبيراً في وقت قصير».
ويقول العلي لـ«الأخبار»: «نلاحظ كيف يتضامن الأميركيون دائماً بالطريقة نفسها. لذلك علينا أن نحدّث أفكارنا ونقدم ما يمكن بصورة إبداعية إلى العالم لتعريفه بقضية الأسرى، خاصة المحكومين إداراياً».
الحملة لا تزال مستمرة طبقاً لأصحابها، وهي تخطّت مرحلة مهمة، على أن من المقرر أن تسير الخطوات عبر الإنترنت وفي الميدان بالتزامن، والهدف التالي لهم توسيع نشاط الحملة وتحويلها إلى نشاطٍ فعلي على الأرض.