يعيش الأسرى في سجون العدو الإسرائيلي ظروف اعتقال قاسية، تتضاعف قسوتها بالنسبة إلى الأسرى المرضى، الذين تتعمّد إدارة السجون حرمانهم من تلقّي الرعاية الصحيّة الأساسية، فضلاً عن الرعاية الصحية الخاصة التي تتناسب وطبيعة أمراضهم. ويعاني 550 أسيراً من أمراض خطيرة ومزمنة، بحسب ما يفيد به مدير «مركز الأسرى للدراسات»، رأفت حمدونة، «الأخبار»، موضحاً أن 11 مريضاً مصابون بالسرطان بأنواعه المختلفة والعدد مرشّح للزيادة، و4 آخرين يعانون من مرض الكلى، فيما العشرات مصابون بمرضَي السكري والضغط، وآخرون يعانون إعاقات حركيّة، وغيرهم جُرحوا أثناء اعتقالهم ولم يتلقّوا أيّ علاج. يضاف إلى ذلك أنّ العديد من الأسرى أصيبوا بأمراض مختلفة خلال قضائهم فترة محكوميّتهم في سجون الاحتلال، ولكنهم لم يعرفوا ما يعانون منه إلّا بعدما أُطلق سراحهم وخضعوا لفحوصات طبية، ما أدّى في كثيرٍ من الأحيان إلى تفاقم حالتهم الصحية، وفق حمدونة.
الطبيب السجّان
وعدا عن كون الطبيب الذي يقدّم العلاج للأسرى المرضى هو سجّان برتبة عسكرية، فهو أيضاً محقّق لا يتورّع عن استغلال معاناتهم لابتزازهم بالعلاج والضغط عليهم لانتزاع اعترافات منهم، خاصة أولئك الذين يصابون بالرصاص الحيّ أثناء المطاردة والاعتقال. وأدّى الإهمال الطبّي المتعمّد من قِبَل إدارة مصلحة سجون الاحتلال إلى استشهاد العشرات، حيث بلغ إجمالي شهداء الحركة الأسيرة 226 شهيداً منذ عام 1967، 4 منهم استشهدوا في عام 2020 وهم نور الدين البرغوثي، وسعدي الغرابلي، وداود الخطيب، وكمال أبو وعر. ويلفت حمدون إلى أن إدارة السجون «لا تجري فحوصات طبية للأسرى، ولا تسمح بإدخال طواقم طبية من مؤسسات صحية فلسطينية أو دولية، خاصة في الحالات المزمنة والخطيرة». كما أنها لا تقدّم حصصاً غذائية تتناسب مع حالة الأسير المريض، فلا غذاء مخصّصاً لمرضى السكّري والضغط على سبيل المثال. ومع أن الاتفاقيات الدولية تنصّ على حقّ كلّ أسيرٍ مريض في معرفة وضعه الصحي والاطّلاع على ملفّه الخاص، فإن سلطات العدو ترفض تسليم الأسرى المرضى ملفّاتهم الصحية عند الإفراج عنهم، كما ترفض إطلاع أيّ مؤسّسة أو جهة عليها.

«الأكامول»... العلاج الوحيد
وإلى جانب افتقار العيادات الطبية في سجون الاحتلال ومعتقلاته إلى الحدّ الأدنى من خدمات الرعاية الصحية، فإن «الأكامول» ينفرد بكونه العلاج الوحيد الذي يتمّ صرفه للمرضى على اختلاف حدّة مرضهم، سواءً أولئك المصابين بالسرطان أو الذين يعانون نزلة برد، مع أن الاتفاقيات والمواثيق الدولية، خاصة اتفاقيّتَي جنيف الثالثة والرابعة، أوجبت حق العلاج والرعاية الطبية، وتوفير الأدوية المناسبة للأسرى المرضى، وإجراء الفحوصات الطبية الدورية لهم. وأحدث هؤلاء الأسرى المرضى كان الأسير ناصر أبو حميد (49 عاماً) من مخيم الأمعري، والمحكوم عليه بـ7 مؤبّدات و50 عاماً منذ اعتقاله عام 2002، حيث تمّ تشخيص إصابته بورم سرطاني في الرئة والكبد، ولكن إدارة مصلحة سجون الاحتلال لم تقدّم له أيّ مساعدة، بل أعادته إلى زنزانته وحيداً في قسم 3 في سجن عسقلان، بعدما أخرجت جميع الأسرى منها.
وفي ظلّ غياب ضغطٍ حقيقي من المؤسسات الدولية، وفي مقدّمتها «اللجنة الدولية للصليب الأحمر»، لحماية حقوق الأسرى والالتزام بالنصوص والاتفاقيات الدولية، يشدّد حمدونة على ضرورة التحرّك على ثلاثة مستويات لإثارة قضية الأسرى، وتحديداً المرضى منهم، وتسليط الضوء على معاناتهم. ويضيف أن السلطة الفلسطينية مطالَبة باستغلال مكانة فلسطين القانونية في تشكيل جبهة ملاحقة قانونية لدولة الاحتلال، علاوةً على حشد الرأي العام من المتضامنين وأحرار العالم، إضافةً إلى النهوض بالخطاب الإعلامي ونشر قصص الأسرى المرضى عبر وسائل الإعلام العالمية، ومواجهة ما يروّجه العدو من أنه «واحة للديمقراطية وحقوق الإنسان» في الشرق الأوسط.