شهدت مناطق سيطرة «قسد» في كلّ من منبج وعين العرب في ريف حلب الشمالي الشرقي، وصولاً إلى تلّ تمر وأبو رأسين في ريف الحسكة الشمالي الغربي، خلال الأسبوعَين الماضيَين، تصعيداً عسكرياً تركياً لافتاً، تَمثّل في استقدام تعزيزاتٍ إلى تلك المناطق، بالتزامن مع استهدافها بأكثر من 150 قذيفةً مدفعية وصاروخية، أدّت إلى سقوط قتلى من «قسد»، وضحايا مدنيّين، فضلاً عن نزوح أكثر من 400 عائلة باتجاه مناطق أكثر أمناً. كما نفّذت أنقرة خمس عمليّات استهدافٍ عبر طائرات مسيّرة، خلال أسبوع واحد، طاولت قيادات عسكرية من «قسد» و«الأسايش» و«الإدارة الذاتية»، فيما أُعلن استهداف فريق صحافي في ريف تل تمر.إزاء ذلك، تُظهر القيادات الكردية تخوّفاً واضحاً من احتمال استئناف تركيا عملياتها العسكرية، وشنّها عدواناً جديداً على الأراضي السورية، وهو ما يدفعها إلى الإلحاح في مطالبة الجانبَين الروسي والأميركي بالعمل على تجنيب المنطقة سيناريو من هذا النوع. وفي السياق، اعتبرت الرئيسة التنفيذية لـ«مجلس سوريا الديموقراطية»، إلهام أحمد، أن «الهجمات التركية الجديدة على مناطق وقف إطلاق النار تشير إلى مرحلة جديدة من الحرب التي تشنّها تركيا»، داعية «الأطراف الضامنة إلى تحمّل مسؤولياتها ووقف الهجمات التركية»، فيما طالب القيادي الكردي البارز، ألدار خليل، «الأطراف الضامنة بالإيفاء بالتزاماتها، مع ضرورة إبداء دمشق لموقفها، طالما هي حريصة على وحدة سوريا وسيادتها». كما كثّفت «قسد»، و«مسد» و«الإدارة الذاتية» بياناتهم التي أكّدت وجود نوايا تركية فعلية بشنّ عدوان جديد، وهو ما استدلّ عليه رئيس «مجلس تل أبيض العسكري»، التابع لـ«قسد»، رياض خلف، بأن «نقاط التماس بين قسد والقوات التركية والفصائل الموالية لها تشهد تحرّكاتٍ مكثّفة وتحشيداً عسكرياً على طول الطريق الدولي M4 الرابط بين مدينتَي تل تمر وعين عيسى شمال الرقة، ما يوحي بحربٍ جديدة».
من جهتها، أفادت مصادر ميدانية حكومية، «الأخبار»، بأن «الاحتلال التركي قام بزيادة عدد نقاطه وقواعده العسكرية، إلى 12 نقطة وقاعدة، مع استقدام تعزيزات بالمعدّات والجنود، على امتداد الطريق الدولي الذي يربط عين عيسى بتل أبيض»، مشيرةً إلى أن «هذه التعزيزات العسكرية تهدف في الغالب إلى إطلاق عملية عسكرية جديدة، من المرجّح أن تستهدف مدينتَي عين العرب ومنبج في ريف حلب الشمالي الشرقي». وتوقّعت المصادر أن يكون الهدف من «التحرّكات العسكرية في كلّ من تل تمر وأبو رأسين، إشغال قسد عن النيّة الفعلية للهجمات باتجاه ريف حلب»، لافتةً إلى أن «تركيا تريد السيطرة على مدينة عين العرب، من أجل تقطيع أوصال الإدارة الذاتية الكردية، وإضعافها بشكل تدريجي، مستغلّة عدم وجود أيّ قواعد أميركية في المنطقة الممتدّة من عين عيسى وصولاً إلى منبج». وأضافت أن «تركيا تتذرّع بفشل واشنطن في إقناع قسد بإخراج قيادات ومقاتلي حزب العمال الكردستاني من سوريا، واستمرار الخطر الذي يشكّلونه على الأمن القومي التركي».
كثّفت القيادات الكردية لقاءاتها مع الجانبين الأميركي والروسي في محاولة لمنع الهجمات التركية


وفي ظلّ إدراك «قسد» خطر الهجوم التركي الجديد، كثّفت القيادات الكردية لقاءاتها مع قيادات عسكرية أميركية وروسية، في محاولة لمنْع حصول الهجوم، بالتوازي مع نشر وسائل إعلام معارضة معلومات عن رفض واشنطن طلب «قسد» تزويدها بأسلحة مضادّة للطيران والدروع. وفي هذا السياق، نشرت وسائل إعلام كردية صورة تجمع المتحدث باسم «التحالف الدولي»، واين ماروتو، مع المتحدث الرسمي باسم «قسد»، آرام حنا، في ما قالت إنه «اجتماع مهمّ خُصّص لمناقشة التطوّرات الأخيرة في المنطقة»، واصفة اللقاء بـ«الإيجابي». كذلك، تعمل «قسد» على التذكير بورقتَي معتقلي «داعش» في سجونها، وعوائل هؤلاء في المخيمات الواقعة ضمن نطاق سيطرتها، وحساسية هذين الملفّين بالنسبة إلى الأمن الدولي وخطورتهما. إذ حذّر حنا من أن «صمت المجتمع الدولي سيؤثر فعلاً على جهودنا في مكافحة الإرهاب ورعاية السجون والمخيمات التي تحتضن معتقلي تنظيم داعش وعائلاتهم». واعتبر أن «جهود القوات الروسية في ضبط خطوط التّماس وإيقاف الانتهاكات لا ترقى إلى المستوى المطلوب لردع قوات الاحتلال».
هكذا، يَظهر أن «قسد» لا تزال تُعوّل على الجانب الأميركي في منع تكرار حصول أيّ هجمات، فيما تستمرّ في التنسيق المحدود مع موسكو، التي يكرّر مسؤولو «قسد» اتّهامها بتسهيل احتلال تركيا لمناطق في الشمال السوري. في المقابل، يغيب أيّ تنسيق واضح مع الحكومة السورية، التي تتمسّك بوجهة نظرها في هذا الخصوص، والقائمة على انسحاب «قسد» من الشريط الحدودي وتسليمه كاملاً للجيش السوري، على اعتبار أن ذلك سينزع أيّ ذرائع من أنقرة لشنّ عدوان جديد، وسيسهم في إنجاز تفاهم سياسي وعسكري في المنطقة.