حلب | كغيرهم من السوريين، يدرك الحلبيون أن الأزمات المعيشية المتتالية التي يمرّون بها لا يمكن تجاوزها بمجرّد تبديل وزير هنا، أو مسؤول هناك؛ ذلك أن الأمر مرتبط بسياق أكبر وأعقد. لكن ذلك لا يُعفي المسؤولين من مهمّة ابتكار حلول تكون على قدر صعوبة الوضع، وفق ما يقول كثيرون. هكذا، ينتظر الشارع الحلبي عصا سحرية أو ربّما معجزة تحلّ على الوزراء الجدد، تُمكّنهم من البتّ في أمور عالقة منذ سنوات، كالكهرباء مثلاً، ومسلسل المعاناة مع مُشغّلي المولّدات الكهربائية أو ما تُعرف بـ«الأمبيرات». فعلى الرغم من أن غيرهم من السوريين في محافظات أخرى، لا يوجد فيها نظام «الأمبيرات»، يرون في الأخيرة حلّاً جزئياً يخفّف وطأة التقنين الطويل، إلّا أن واقع الحال يشير إلى أن فاتورة الاشتراك في المولّدات أنهكت جيوب الحلبيين على مدار سنوات طويلة. أحد أصحاب المشاريع الصغيرة في حلب يقول، لـ«الأخبار»، إنه يدفع شهرياً ما يعادل 130 دولاراً أميركياً ثمن فاتورة الاشتراك بـ«الأمبيرات» لتشغيل محلّه وسدّ حاجة منزله من الكهرباء، فيما اضطر بعض أهالي المدينة إلى إلغاء اشتراكاتهم لعدم قدرتهم على دفع فاتورتها. يعتبر البعض اتّخاذ الخطوات الأولى أخيراً، لإعادة تأهيل المحطّة الحرارية في حلب، طريق نجاة ولو كان طويلاً؛ ذلك لأن تفعيلها سينعكس حتماً على كمّيات الطاقة الواردة إلى المدينة. لكن أكثر ما يخشاه الحلبيون هو أن يبقى الوضع على ما هو عليه حتى بعد إصلاح المحطّة، ولا سيّما أن الكمّيات الواردة إلى المدينة لا تسدّ حاجتها، بالنظر إلى أن الحصص تُوزّع على المناطق الصناعية والسكنية، من دون الأخذ في الاعتبار خصوصية عاصمة الاقتصاد السوري وحاجتها المضاعفة إلى الكهرباء كمدينة صناعية وسكنية على حدّ سواء. وفي وقتٍ تتعالى فيه أصوات صناعيّي حلب جرّاء معاناتهم لتأمين الكهرباء الكافية لتشغيل مصانعهم، يبدو الحديث الرائج عن الطاقات البديلة حلّاً غير متاح بالنسبة إلى أغلبية سكّان المدينة نظراً إلى تكاليفه العالية، فهل ستنتهج الحكومة الجديدة أسلوباً مغايراً، سعياً لحلّ هذه المشكلة؟ يبقى السؤال معلّقاً بملفّات خدمية أخرى، كالفيول.
أكثر ما يخشاه الحلبيون هو أن يبقى وضع الكهرباء على ما هو عليه حتى بعد إصلاح المحطّة الحرارية


من جهة أخرى، تبدو تعبئة الخزانات المنزلية بالمازوت قبيل حلول الشتاء، حلماً لا يجرؤ على تخيّله أحد. فتكلفة ليتر المازوت، إن وجد في السوق السوداء، وصلت إلى 3 آلاف ليرة سورية، علماً أن تعبئة الخزانات تحتاج إلى ملايين الليرات، في حين أن كمّية مخصّصات الأسر من المازوت بالسعر المدعوم تكفي أسبوعين كحدّ أقصى. ما العمل إذاً؟ «سنفترش البطّانيات ونشعل الحطب إذا تمكنّا من شرائه، طالما أنه لا يمكننا الاعتماد على بدائل المازوت من الغاز والكهرباء للتدفئة»، يقول حسام لـ«الأخبار»، وهو ربّ أسرة مكوّنة من طفلين. على أن أزمة المحروقات لا تقتصر آثارها على التدفئة فقط، بل انعكست تبعاتها بوضوح على أسعار المواد الاستهلاكية والمعيشية، ما دفع الكثير من العائلات إلى اختصار أصناف موائدها. وعلى الرغم من محاولات ضبط الأسعار وتنظيم الكثير من الضبوط التموينية بحق مَن يخالف التسعيرات المحدّدة، إلا أن فوضى الأسعار تظلّ طاغية على المشهد، فيما لا تزال الحلقة بين المنتج والمستهلك مفقودة، ولا سيّما أن لكلّ منهما همّه.

ماذا ينتظر الصناعيّون؟
يقول أيمن عزيزي، أحد صناعيّي حلب، إن «إلزام الصناعيين بتأمين بيانات جمركية ذات صيغ محدّدة، للمواد الأولية التي نستخدمها في صناعاتنا جعلنا نشتغل كالحرامية... في حين أن الأقمشة التي أستخدمها في صناعتي هي أقمشة مستوردة، تدخل إلى البلاد بطرق مختلفة». ويضيف، لـ«الأخبار»، أن «القيود المفروضة ومنع استيراد الكثير من المواد الداخلة في الصناعة يعيقان عمل أيّ ورشة أو مصنع». وبحسب رأي عزيزي، فإن «رفع القيود عن المواد الأولية والسماح بدخول أصناف كثيرة إلى البلاد هما الحلّ الأمثل، فضلاً عن أن تسهيل آليات الصناعة والتجارة في حلب لا شك أنه سينعكس على دول الجوار التي ربّما ستتّجه إلى سوريا لشراء منتجاتها نظراً إلى رخص الأسعار وتوفير تكاليف الشحن بالمقارنة مع استيرادهم من الصين مثلاً».
عضو غرفة صناعة حلب، محمد صباغ، يوافق أيمن عزيزي الرأي حول أهمية إعفاء الصناعيين من الرسوم الجمركية المفروضة على المواد الأولية، متحدّثاً إلى «الأخبار» عن ضرورة الاعتماد على المنتَج الوطني، ولا سيّما في عقود الجهات الحكومية. ويقول: «ننتظر من الحكومة الجديدة دعم جميع الصناعات بعائدات التصدير بشكل غير مباشر عند الشحن والشحن الجزئي، ونحن بحاجة من الوزارات المعنيّة بالصناعة والتجارة إلى أن تتّخذ إجراءات غير اعتيادية وقرارات شجاعة ومبتكرة، ولا سيّما في إيجاد أسواق جديدة لدى الدول الصديقة، مع تسهيل تأمين الفيَز للصناعيين إلى الدول الصديقة بهدف الترويج لمنتجاتهم وإعادة المنتج السوري إلى موقعه عالمياً». ويضيف: «ننتظر من الحكومة الجديدة أيضاً دعم قطاع النقل والمساعدة على حلّ مشكلة ارتفاع أجور نقل البضائع، والتي باتت معضلة يعاني منها تجّار وصناعيّو حلب بشكل متفاقم».