اللافت في الاعتقالات الأخيرة أنها شملت نخباً وشخصيات مجتمعية وثقافية وسياسية بارزة
وانتهجت السلطة، في الأسابيع الأخيرة، أسلوب «التشتيت والتفريق الاستباقي»، عبر الانتشار المكثّف في مكان إقامة الفعالية لمنع انطلاقها، وهو ما نجح في معظم الحالات في تقليص عدد المشاركين وإضعاف زخم التظاهرات. ويعود اعتماد السلطة هذا الأسلوب إلى رغبتها في عدم تكرار موجة القمع الأولى قبل أشهر، حيث ظهرت على الشاشات مشاهد عنيفة ضدّ المتظاهرين، استدعت إدانات حقوقية ودولية واسعة، الأمر الذي أحرج رام الله. في المقابل، تؤكّد مصادر متطابقة في الحراك الشعبي الجاري في الضفة أن الفعاليات ستستمرّ على رغم القمع والاعتقالات المتلاحقة، لافتة إلى أن الدافع إلى التظاهر لم يَعُد يقتصر على محاسبة قتلة نزار بنات وتحقيق العدالة له، بل يمتدّ إلى محاسبة المسؤولين الذين أصدروا تعليمات لعناصر الأمن بالقمع، وأيضاً محاسبة العناصر التنفيذية.
وما يقوّي الحراك الشعبي في الشارع، هو أنه ليس من لون واحد، بل متعدّد الأطياف الحزبية والرؤى، إذ ثمّة ممثّلون وقيادات لفصائل فلسطينية، هي أيضاً متنوّعة ما بين وطنية وإسلامية، مِن مِثل: «الجهاد الإسلامي»، «الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين»، «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين»، إضافة إلى وجود عدد كبير من النشطاء المحسوبين على حراكات اجتماعية ونقابية مستقلة، ونخب وشخصيات ثقافية، وهذا ما يمنح الحراك زخماً وقوّة وطول نفَس، على رغم تواضع حجم الحشد في الفعاليات أحياناً. لذلك، تشير التقديرات إلى أن التظاهرات والوقفات ستستمرّ في الفترة المقبلة، لكنها ستظلّ متركّزة في رام الله لكون الأخيرة «مركز الثقل السياسي للسلطة الفلسطينية»، ولاعتياد المتظاهرين على أن النسبة الأكبر من الفعاليات الناجحة هي في المدينة، وأيضاً لوجود تغطية إعلامية كبيرة هناك على عكس باقي محافظات الضفة الغربية. وبينما تُحوّل طريقة تعامل السلطة مع المتظاهرين قضيتّهم من «العدالة لنزار بنات» إلى آفاق أوسع وسقف مطالب أعلى يمسّ وجود السلطة نفسه، فإن اعتقالها لقيادات فصائلية يجعلها تصطدم بشكل مباشر مع فصائل متعددة على الساحة الفلسطينية.