رام الله | «بلا حرية بلا خـ##... فش حرية... روحوا من هان...»؛ هذا ما صرخ به عنصر أمن فلسطيني بلباس مدني في وجه زوجة الأسير المحرَّر الشيخ خضر عدنان أمس، عندما كانت في تظاهرة برفقة عدد من النشطاء للمطالبة بالإفراج عن زوجها وآخرين، حيث علا هتافها بـ «يا حيف على اللي جرحهم جرحي... وفوق الجرح داسوا... صاروا عساكر للعدى وإيد العدو باسوا...». مشهدٌ يختزل الحال الذي وصل إليه الوضع الميداني في الضفة الغربية، بعدما شنّت السلطة قبل يومين حملة اعتقالات جديدة، بدأت بانتشار مكثّف على دوار المنارة وسط رام الله، استباقاً لوقفة معلَن عنها مسبقاً تحت شعار «العدالة لنزار بنات»، وضرورة إجراء الانتخابات المؤجّلة، ووقْف القمع والاعتقالات السياسية، لكن النشطاء فوجئوا لحظة وصولهم إلى الدوار بأيدي عناصر أمنية تعتقلهم وتقتادهم إلى الآليات العسكرية، حتى قبل أن يهتفوا هتافاً واحداً أو يرفعوا شعاراً.اللافت في الاعتقالات الأخيرة أنها شملت نخباً وشخصيات مجتمعية وثقافية وسياسية بارزة، مِن مِثل: الشاعر والكاتب والروائي زكريا محمد، عضو المكتب السياسي لـ«الجبهة الديموقراطية» إبراهيم أبو حجلة، القيادي في «الجهاد الإسلامي» الشيخ خضر عدنان، وأسرى محرَّرون آخرون، فيما بلغ إجمالي عدد المعتقلين أكثر من 24 ناشطاً قبيل الإفراج عن قسم كبير منهم بعد يوم من الاعتقال. ويرى مراقبون أن طبيعة الاعتقالات تثبت مجدّداً نيّة السلطة تحطيم الحراك الشعبي المناهض لها، وتشتيت التظاهرات حتى قبيل بدئها، في ما يشير إلى أنها لا تزال تتعامل مع الأمر على أنه «موجة عابرة طارئة، يشرف عليها مجموعة نشطاء يمكن القضاء عليهم، وإنهاء التظاهرات بالاعتقالات المتكرّرة والمتتالية، وأحياناً لنفس الأشخاص عدّة مرات».
اللافت في الاعتقالات الأخيرة أنها شملت نخباً وشخصيات مجتمعية وثقافية وسياسية بارزة


وانتهجت السلطة، في الأسابيع الأخيرة، أسلوب «التشتيت والتفريق الاستباقي»، عبر الانتشار المكثّف في مكان إقامة الفعالية لمنع انطلاقها، وهو ما نجح في معظم الحالات في تقليص عدد المشاركين وإضعاف زخم التظاهرات. ويعود اعتماد السلطة هذا الأسلوب إلى رغبتها في عدم تكرار موجة القمع الأولى قبل أشهر، حيث ظهرت على الشاشات مشاهد عنيفة ضدّ المتظاهرين، استدعت إدانات حقوقية ودولية واسعة، الأمر الذي أحرج رام الله. في المقابل، تؤكّد مصادر متطابقة في الحراك الشعبي الجاري في الضفة أن الفعاليات ستستمرّ على رغم القمع والاعتقالات المتلاحقة، لافتة إلى أن الدافع إلى التظاهر لم يَعُد يقتصر على محاسبة قتلة نزار بنات وتحقيق العدالة له، بل يمتدّ إلى محاسبة المسؤولين الذين أصدروا تعليمات لعناصر الأمن بالقمع، وأيضاً محاسبة العناصر التنفيذية.
وما يقوّي الحراك الشعبي في الشارع، هو أنه ليس من لون واحد، بل متعدّد الأطياف الحزبية والرؤى، إذ ثمّة ممثّلون وقيادات لفصائل فلسطينية، هي أيضاً متنوّعة ما بين وطنية وإسلامية، مِن مِثل: «الجهاد الإسلامي»، «الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين»، «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين»، إضافة إلى وجود عدد كبير من النشطاء المحسوبين على حراكات اجتماعية ونقابية مستقلة، ونخب وشخصيات ثقافية، وهذا ما يمنح الحراك زخماً وقوّة وطول نفَس، على رغم تواضع حجم الحشد في الفعاليات أحياناً. لذلك، تشير التقديرات إلى أن التظاهرات والوقفات ستستمرّ في الفترة المقبلة، لكنها ستظلّ متركّزة في رام الله لكون الأخيرة «مركز الثقل السياسي للسلطة الفلسطينية»، ولاعتياد المتظاهرين على أن النسبة الأكبر من الفعاليات الناجحة هي في المدينة، وأيضاً لوجود تغطية إعلامية كبيرة هناك على عكس باقي محافظات الضفة الغربية. وبينما تُحوّل طريقة تعامل السلطة مع المتظاهرين قضيتّهم من «العدالة لنزار بنات» إلى آفاق أوسع وسقف مطالب أعلى يمسّ وجود السلطة نفسه، فإن اعتقالها لقيادات فصائلية يجعلها تصطدم بشكل مباشر مع فصائل متعددة على الساحة الفلسطينية.