أقفل الأخضر الإبراهيمي خط المفاوضات الموازي لخط الحرب السورية. استقالة المبعوث الدولي لم تكن مفاجئة منذ انتهاء جلسات «جنيف 2» في شباط الماضي. الدبلوماسي الجزائري صرّح قبل عام في نيويورك بأنّه «يفكّر في الاستقالة كل يوم»، علماً بأنه لم يعد في إمكانه الاعتماد على توافق روسي ــ أميركي يسانده في مهمته، كما درجت العادة. اليوم واشنطن وموسكو تتصارعان على حلبة جديدة في أوكرانيا، بينما تعمل دمشق على تنظيم انتخابات رئاسية وقف الإبراهيمي في صف معارضيها، ليضيف بنداً جديداً على لائحة الاعتراض السوري الرسمي على أدائه. وفي الميدان، يُحرز الجيش السوري تقدماً كبيراً في محيط العاصمة والمنطقة الوسطى، ليبني عليه رفض تقديم تنازلات للمعارضة.

أما المعارضة المسلحة فتحقق تقدماً في الجنوب، وخروقات جدية في الشمال، وترتفع وتيرة الوعود الخارجية لها، ما يحول دون إعلان يأسها من تحقيق انتصار على النظام. خلاصة الأمر أن الطرفين لم يتفقا سوى على شعار «صوت المعركة» الذي لا يعلو فوقه صوت آخر.
إعلان استقالة الإبراهيمي أتى تتويجاً لهذا «الاتفاق»، ويمثل نهاية سلبية لمراحل المفاوضات السابقة. وبذلك، وضِع المسار السياسي للأزمة السورية برمته في حالة موت سريري. فالإبراهيمي ليس الوحيد الذي استقال، إذ سبقه إلى الاستقالة نائبه ناصر القدوة، ومساعده مختار لماني.
وصرّح الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، بأنّ الابراهيمي سيستقيل من منصبه في 31 أيار، متهماً كلاً من الحكومة السورية وجماعات المعارضة المسلحة بـ«الفشل».
وقال إنّه سيعمل على العثور على شخص يحل محلّه، فيما تقول مصادر دبلوماسية إنه يوجد العديد من المرشحين المحتملين، بينهم وزير الخارجية التونسي السابق كمال مرجان («الأخبار»، العدد ٢٢٨٩، ٩ أيار).
ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن دبلوماسيين (لم تذكر أي صفة إضافية لهم) أنّ إعلان سوريا يوم 21 نيسان أنها ستجري انتخابات رئاسية وجّه ضربة قاسية لجهود الإبراهيمي. حينها حذّر الأخير من «تفاقم» الأزمة، ما استدعى رداً عليه من وزير الاعلام السوري عمران الزعبي الذي اتهمه بـ«تجاوز مهمته وعدم احترامها».
بدوره، رأى الابراهيمي الذي كان يقف إلى جوار بان كي مون، أن «تقديم استقالتي ليست مناسبة سعيدة، لأنني أترك مهمتي وسوريا في وضع سيّئ، وإنني علي يقين بأن الأزمة ستنتهي يوماً ما، ولكن كم من القتلى سيسقطون وكم من الدمار سيلحق بسوريا قبل حلول ذلك اليوم؟». ولم يعطِ الإبراهيمي سبباً مباشراً لتقديم استقالته. وكانت مهمته قد مدّدت 3 مرات منذ تعيينه في 10 آب 2012.
في السياق، قال الأمين العام لـ«الائتلاف» السوري المعارض، بدر جاموس، إنّ استقالة الابراهيمي «دليل إضافي على فشل جنيف 2، وعدم وجود أمل لمفاوضات مع النظام للتوصل لحل سياسي».
باريس و«الكيميائي» أيضاً وأيضاً
في سياق آخر، أعلن وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس أنّ دمشق استخدمت أسلحة كيميائية 14 مرة على الأقل منذ نهاية عام 2013، مكرراً «الأسف» لأنّ الولايات المتحدة لم توجه ضربة عسكرية إلى سوريا في الصيف الماضي. وأضاف، بعيد انتهاء لقائه بنظيره الأميركي جون كيري في واشنطن، «لدينا عناصر، 14 عنصراً على الأقل، تؤكد أن أسلحة كيميائية قد استخدمت من جديد خلال الاسابيع القليلة الماضية بكميات أقل، وخصوصاً مادة الكلور (...) ونحن نقوم حالياً بفحص العينات التي أخذت».
ورأى فابيوس أنّه «تم تدمير 92% من الأسلحة الكيميائية» السورية، لكن «لدينا العديد من الشكوك التي تدفعنا إلى الاعتقاد بأن عدداً من هذه الاسلحة الكيميائية قد أخفي». وعن عدم حصول الضربات العسكرية التي كانت الولايات المتحدة مع بريطانيا وفرنسا تستعد لتوجيهها إلى سوريا الصيف الماضي، قال فابيوس «نأسف لذلك، لأننا كنا نعتقد أنها كانت ستغيّر كثيراً من الأمور على مستويات عدة، إلا أن هذا واقع حصل ولن نعيد صنع التاريخ».
وردّ مسؤول أميركي، طلب عدم الكشف عن اسمه، على كلام فابيوس، معتبراً أن «لا شيء يؤكد أن الضربة العسكرية كانت ستتيح لنا التخلص من هذه الكمية من الاسلحة الكيميائية»، في وقت أعلنت فيه منظمة «هيومان رايتس ووتش»، أمس، أنّ هناك «دلائل دامغة على حصول هجمات بالكلور شنّها النظام السوري في ثلاث مدن في منتصف نيسان» الماضي.
(الأخبار، أ ف ب، الأناضول)