كان رهان المناهضين للحكم القطري من بني مرّة، كبيراً على خطّة سعودية – إماراتية لاجتياح قطر عسكرياً
حالياً، لا يمكن فصل احتجاجات بني مرّة على قانون الانتخاب، عن الاعتراض السعودي - الإماراتي على أصل إجراء الانتخابات في قطر. وعلى رغم أنه لا يمكن تبرير حرمان مَن يحمل الجنسية القطرية من الترشّح أو التصويت، إلّا أنّ هذا لا يلغي أنّ الانتخابات تمثّل خطوةً واسعةً إلى الأمام في خليجٍ لا يعرف الديموقراطية إلا لماماً، نحو فتح الحياة السياسية القطرية أمام المشاركة الشعبية، التي تضاف إلى الحيوية التي تتّسم بها السياسة الخارجية القطرية. في الكويت مثلاً، عند بدء الانتخابات في العام 1963، لم يكن مسموحاً لا للمجنّسين ولا للمرأة بالتصويت، ولكن منذ ذلك الحين باتت الانتخابات مفتوحةً أمام الجميع، ترشّحاً وتصويتاً. وسيقتصر حق الترشّح والتصويت في الانتخابات القطرية، على المواطنين «الأصليين»، أي أحفاد مَن حصلوا على الجنسية قبل العام 1930، بينما القطريون المجنّسون المولودون في قطر، والذين حصل أجدادهم على الجنسية القطرية بعد العام المذكور، فيحقّ لهم التصويت فقط، ولن يُسمح لباقي المجنّسين لا بالترشّح ولا بالتصويت.
احتجاجات بني مرّة، كالعادة، اتّسمت بالهجوم الشديد على القيادة السياسية في قطر، بشكلٍ أثار مخاوف قبائل أخرى من تهديد الاستقرار في الدولة. وفي مقطع فيديو نُشر في مواقع التواصل الاجتماعي، تَوجّه المحامي هزاع المري إلى أمير قطر في كلمة اعتُبرت «مسيئة»، قائلاً: «أنشدك أن تنجد نفسك وشعبك من فتنة عظيمة... لن نعيش كالأنعام نأكل ونشرب وأمرنا بيد غيرنا... وسنطالب بحقوقنا حتى لو كُتب الموت لنا في السجون». وأطلق ناشطون «هاشتاغ»: «آل مرّة هل قطر قبل الحكومه». قد تكون الحكومة القطرية بالغت، من جهتها، في الشدّة التي تعاملت بها مع تظاهرات أبناء القبيلة، أولاً لأن التظاهرات ليست بالحجم الذي يهدّد الحكم في الدوحة، وثانياً لأن الانتخابات لن تُغيّر كثيراً في تركيبة السلطة القطرية، نظراً لمحدودية صلاحيات مجلس الشورى. كان يمكن للدّوحة التي استطاعت أن تَغلِب «رباعيّ المقاطعة»، أن تتعامل بطريقةٍ أكثر ليونة مع التظاهرات، لاسيّما وأنّه من غير الممكن الاستمرار في التمييز بين المواطنين، إذا كان للتجربة الانتخابية القطرية أن تستمرّ، وإلّا فلا لزوم لهذه الانتخابات من الأصل.
«الجناسي»... مشكلة الخليج الدائمة
تُمثّل «الجناسي» (جمع جنسية وفق التعبير الرائج خليجياً) واحدة من المشكلات المستعصية في الخليج، الناتجة من وجود قبائل عابرة للحدود. إذ لطالما استُخدمت «الجناسي» سياسيّاً في تاريخ دول المنطقة، وستظلّ كذلك، مَنحاً أو إسقاطاً، بصورة جماعيّة ممنهجة، أو بصورةٍ فردية ضمن التضييق على أيّ نشاط معارض. يحصل الأمر برغبةٍ من الحكومات في التلاعب بالتوازنات القبلية أو الطائفية، أو من قِبَل أبناء القبائل العابرة للحدود، والذين يسعون إلى الحصول على جنسية الدولة الأكثر ثراءً، حتى إذا كانوا يملكون جنسيّة دولة خليجيّة، وهذا ليس حكراً على قبيلة واحدة ولا على دولتَين متجاورتَين بعينهما. هكذا كلّ القبائل، وهكذا كلّ الحدود. ومن هنا، تنشأ مشكلة مزدوجة تتمثّل في امتلاك عددٍ من الخليجيين جنسية دولتَين أو أكثر، وافتقار آخرين لأيّ جنسية، كالبدون. ولأن القانون القطري يمنع ازدواجية الجنسية، فقد قامت الحكومة في العام 2005 بتجريد الآلاف من أبناء بني مرّة (تحديداً من عشيرة الغفران، وهي أحد أفخاذ القبيلة) الذين يحملون الجنسية السعودية، من جنسياتهم القطرية.