غزة | يظهر أن حركة حماس معنية بإتمام بنود المصالحة في أقرب وقت، رغم نفي عضو المكتب السياسي فيها موسى أبو مرزوق أن تكون الضائقة المالية التي تمر بها حركته سبباً لقبولها الاتفاق مع حركة فتح، لكن التصريحات المتزامنة للقيادي صلاح البردويل في غزة، التي دعا فيها إلى التعجيل في تشكيل الحكومة، تشي بشيء آخر.
ولا ينكر أحدٌ أنه في ظل مشهد عربي وإقليمي مأزوم، وصلت «حماس» إلى طاولة المصالحة مثقلةً بخلافاتها بين الداخل والخارج، ومنهكة بأزماتها السياسية والمالية مع حلفائها السابقين أو جيرانها جغرافياً.
كما لا يخفى أن الطرف المقابل ليس أفضل حالاً، ولا سيما بعد توجه الرئيس محمود عباس إلى الخيار نفسه (المصالحة)، بالتزامن مع تعرقل التسوية مع الإسرائيليين والخلافات الداخلية في صفوف حركته فتح.
مع ذلك، يمكن تلمس اندفاعة حمساويّة في طريق المصالحة، رغم فارق الوقت بين ما تطبقه الحكومة المقالة في غزة من إجراءات في ملف الحريات والاعتقال السياسي، مقابل التأخر الدائم أو التجاهل في الضفة.
وقبل أشهر وجيزة من خوض جولات المصالحة، بادرت حماس إلى الإفراج عن معتقلين من فتح، لكن الأخيرة لم تلتقط هذه الرسالة، ولم تعلن عن خطوة في الاتجاه عينه. هذه الحال تتكرر في الاتفاق الأخير، فالأجهزة الأمنية التابعة لرام الله لا تزال تعيش مناخ الانقسام وهي مستمرة في اعتقال واستدعاء التابعين لحركتي الجهاد وحماس.
كذلك كانت حماس سباقة في السماح للصحف الصادرة في الضفة الغربية بدخول قطاع غزّة بعد منع استمر سبع سنوات، ثم بادرت فتح بعدها بأيام إلى السماح ببيع الصحف الصادرة في غزة في الضفة.
كل هذا يجري تجاوزه وفق مراقبين، لكن المحكّ الأكبر سيكون في ملفي تشكيل حكومة الكفاءات بقيادة عباس، وإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية والمجلس الوطني بعد ستة أشهر من تشكيل الحكومة، على أن تصدر الملفات الشائكة الأخرى كإعادة هيكلة الأجهزة الأمنيّة وترميم منظمة التحرير إلى ما بعد الانتخابات.
المصالحة
لن تؤثر على المقاومة المقيدة بالهدنة والتنسيق

ومن المقرر أن يبدأ عضو اللجنة المركزية لفتح ومسؤول ملف المصالحة فيها عزام الأحمد جولة مشاورات جديدة اليوم مع حماس في غزة. وقال الأحمد في تصريح صحافي: «سألتقي خلال زيارتي على مدار يومين قيادة حماس من أجل التشاور معهم في تشكيل الحكومة»، مضيفاً إن من المتوقع الإعلان عن حكومة التوافق خلال الأسبوعين المقبلين في الحد الأقصى.
وتبدي الفصائل الفلسطينية من خارج إطار الانقسام ومعها قطاع كبير من الشارع الخوف من تعرقل المصالحة مجدداً، وخاصة أنه لم يتبقّ إلا 14 يوماً لتنفيذ بند تشكيل الحكومة. وما يعزز تلك المخاوف خشيتها من التدخل الإسرائيلي والأميركي.
ويحاول القيادي الفتحاوي يحيى رباح أن يجيب عن التخوفات المطروحة بالقول إن المصالحة منظومة كاملة، «وأولى دعائم هذه المنظومة تشكيل حكومة تكنوقراط من مستقلين، ثم الانتقال إلى انتخابات تجدد الشرعية الفلسطينية وتصوغ النظام السياسي الفلسطيني من جديد». ويضيف رباح لـ«الأخبار»: «بعد الحكومة ستصبح كل الملفات الأخرى قابلة للمعالجة، فالرئيس والوزراء الجدد ما بعد الانتخابات سيتولون مسألة الأجهزة الأمنية والقضايا العالقة، بالاستناد إلى اتفاقي القاهرة والدوحة».
في المقابل، فإن أحد أعضاء وفد منظمة التحرير المكلّف بإتمام المصالحة مصطفى البرغوثي ذهب عكس رباح، وتساءل: «كيف نسير إلى الانتخابات من دون حلّ هذه الملفات، وتحديداً الاعتقال السياسي؟»، مشيراً إلى وجود 40 معتقلاً سياسياً في سجون الضفة واستمرار الاستدعاءات بحق آخرين.
أما عن الملف الأمني، فأكد البرغوثي لـ«الأخبار» أنه يجب تسويته قبل الانتخابات، «كما من الضروري دمج الأجهزة الأمنية تدريجاًَ، بدءاً من الدفاع المدني والشرطة، ثم الأمن الوقائي، وأخيراً الأمن الوطني والمخابرات».
ورغم التفاؤل الحذر الذي تبديه قيادات ومراقبون بشأن تنفيذ تلك الخطوات، يبقى التحدي الأكبر أمام حماس في قضية البرنامج السياسي المشترك، ومدى تناغمها مع استراتيجية السلطة التي ترى في السلام الخيار الأمثل لإنهاء الصراع مع الاحتلال.
هنا، تطفو تصريحات نُسبت إلى وكيل وزارة الخارجية في الحكومة المقالة غازي حمد، قال فيها لإحدى وسائل الإعلام العبرية إن قبول «حماس» دولة على حدود 67 هو خيار مرحلي «لكنه يشكّل الركيزة الأساسيّة في إعادة صياغة البرنامج الوطني الفلسطيني ونقطة الالتقاء البارزة مع فتح».
أما رباح، فلا يرى اختلافات جوهرية بين الحركتين في هذا الشأن، مستدلّاً بخطاب لرئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل (2011) قال فيه إنّهم راضون بدولة فلسطينية على حدود 67 عاصمتها القدس، «كما أكّد في ذلك اليوم»، والحديث لرباح «أن حماس ستعطي مدىً معقولاً للمفاوضات لو تمّت بشروط عباس».
ويتفق المحلل السياسي هاني حبيب مع سابقه في القول إن الخلاف ليس سياسياً أكثر مما هو على الحصص بين الطرفين، مستدلاً هو الآخر بأن «حماس رحبت بخطاب عباس الأخير أمام المجلس المركزي حين ذكر أن برنامج حكومة التوافق لن يخرج عن إطار برنامجه المتعلّق بالمفاوضات».
واستطرد حبيب في حديثه إلى «الأخبار»: «حماس تهيئ نفسها لفكّ الحصار السياسي عنها وقبول أي توافق يعيدها إلى ميدان العمل السياسي»، مستدركاً: «المصالحة خارج التأثير على المقاومة المسلحة لأن الأخيرة تحوّلت إلى برنامج هُدنة في غزة، في مقابل أن التنسيق الأمني لا يزال سارياً في الضفة».
وحتى تشكيلها، يصر الطرفان على أن الحكومة لن تمتلك أيّ برنامج سياسي، وإن نفى ذلك أن عباس وهو صاحب مشروع التسوية سيكون رئيسها، ويضيفون إن مهماتها ستقتصر على الشؤون الإدارية لغزة والضفة، في حين أن البرنامج السياسي يبقى من اختصاص منظمة التحرير فقط.
ويميّز مصطفى البرغوثي ثلاث مهمات بارزة لهذه الحكومة، هي: إدارة الشؤون اليومية للناس، تهيئة الأجواء المناسبة للانتخابات وإصلاح نتائج وعواقب الانقسام، لافتاً إلى أن ما تداوله الإعلام أخيراً عن ضرورة اعترافها، أي الحكومة، بإسرائيل ليس مطروحاً على الطاولة. ويشرح ذلك بالقول: «وحده الإطار العام لمؤسسات السلطة (منظمة التحرير) هو المطالب بالاعتراف بإسرائيل، وليس على أي فصيل فلسطيني أو حكومة الاعتراف بالاحتلال».
في هذا الصدد، رأى محلّلون أن حكومة الوفاق قد تصطدم بعقبة اشتراطات اللجنة الرباعية الدوليّة التي تتضمّن الاعتراف بـ«إسرائيل» ونبذ العنف والإرهاب والتزام الاتفاقات المبرمة سابقاً، وهو نفسه ما كررته المستشارة الأميركية لشؤون الأمن القومي سوزان رايس على مسمع عباس خلال لقائهما في رام الله.
ولا ينسى الفلسطينيون كيف جرت المقاطعة الدولية للحكومة الفلسطينية العاشرة التي رئسها إسماعيل هنية عام 2006 على خلفية أنها لم تلبّ تلك الاشتراطات، ما أدى إلى انقطاع الرواتب عن الموظفين حوالى عام وخلق أزمة كبيرة أدت إلى الانقسام الفلسطيني لاحقاً.