جنين | 10 شهداء ارتقوا في جنين منذ بداية العام الجاري، آخرهم أربعة مقاومين استشهدوا أمس خلال اشتباكات مسلّحة مع قوة خاصة إسرائيلية، وهم: نور الدين محمد جرار، أمجد إياد حسينية، رائد زياد أبو سيف وصالح أحمد عمار.يقول مصدر مطّلع، لـ«الأخبار»، إن مقاومي جنين ومخيمها ونشطاء المقاومة الشعبية كانوا متأهّبين يومياً لاقتحام جيش العدو، منذ استشهاد الشاب ضياء صباريني قبل نحو أسبوعين، ويرصدون التحرّكات العسكرية الإسرائيلية على الحواجز والمواقع المحيطة بالمدينة، ليتصدّوا لها عند وصولها إلى المدينة أو المخيم.
ووفق المصدر ذاته، فإن «وحدة الرصد والإرباك الليلي» تابعت في أحيان كثيرة تحرّكات مركبات يُشتبه في أنها تحمل قوات خاصة إسرائيلية بزيّ مدني، لكن أمس حدث ما لم يكن متوقّعاً، وهو أن حافلة مدنية أنزلت قوة خاصة من نخبة جيش العدو داخل إحدى البنايات لتنصب كميناً مسبقاً للمقاومين، على اعتبار أن مخابرات العدو تدرك بحكم التجربة أن كلّ عملية اعتقال في جنين ستشهد اشتباكات مسلّحة، إن لم يكن عند اكتشاف القوة المقتحِمة فعند انسحابها.
هكذا، وصلت قوة من جيش الاحتلال لتنفيذ عملية اعتقال لأسير محرَّر، فيما كان قناصة من قوة خاصة إسرائيلية يتمترسون في إحدى البنايات. ومع بدء الاشتباك، فوجئ المقاومون بزخّات رصاص من قوة الكمين في البناية، ما أدى إلى استشهاد الشبان الأربعة، واحتجاز العدو جثمانَي اثنين منهم. وأكدت صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية أن اشتباكات ضارية من مسافات قصيرة اندلعت بين مقاومين وقوة خاصة تابعة للاحتلال، وأن المقاومين أطلقوا النار من عدّة جهات، فيما وصف المحلّل العسكري، يوسي يهوشوع، عمليات اعتقال الشبان في جنين بأنها «أصبحت معقّدة»، قائلاً: «تعقّدت الأمور في كلّ اعتقال، لأنه ينتهي دائماً باشتباك مسلّح».
منذ بداية معركة «سيف القدس»، خرّجت ميادين جنين مجموعات من المطلوبين للعدو أو «المطارَدين» كما يُعرفون فلسطينياً. جزء من هؤلاء استشهد، كما هو حال جميل العموري وضياء صباريني وغيرهما، وجزء ثانٍ وقع أسيراً بيد الاحتلال، من مثل: وسام أبو زيد، فيما آخرون سلّموا أنفسهم مُرغمين لأمن السلطة، لأن العدو هدّدهم بالتصفية والاغتيال، وأيضاً بسبب اشتداد الملاحقة، خصوصاً أن بعض هؤلاء مصابون خلال اشتباكات سابقة.
عند الحديث عن جنين ومخيمها، فالأمر لا يشبه مجرّد «جيوب مسلحين» يمكن القضاء عليها بسهولة


يكشف مصدر، لـ«الأخبار»، عن وجود مجموعة من المطلوبين لجيش العدو، يرفضون تسليم أنفسهم في جنين، ويصرّون على المقاومة على رغم ارتقاء عدد من رفاقهم شهداء وأسر آخرين، فيما تُتّهم السلطة بتضييق الخناق عليهم، عبر شنّ حملة أمنية ضدّ المركبات والدرّاجات غير القانونية بحجّة عدم ترخيصها وتسجيلها رسمياً. يقول أحدهم: «توقيت حملة أمن السلطة غريب في ظلّ اقتحامات جيش العدو، ومن المعروف أن المقاومين والشبان النشطاء يستخدمون هذه المركبات ليلاً لرصد تحرّكات العدو ولملاحقة آلياته والاشتباك معه». وفي وقت سابق من هذا الشهر، أطلق مسلّحون النار على مقرّ المقاطعة الذي يمثّل مبنى قيادة السلطة في جنين، بسبب ما قيل إنه «مصادرة مركبة تعود للشهيد جميل العموري»، لكن محافظ جنين، أكرم الرجوب، نفى الأمر، لافتاً إلى أن المركبة غير قانونية، وأن الجانب الإسرائيلي صادرها عند اغتيال العموري. ووفق مصادر مقرّبة من الشهيد، فإن المركبة غير قانونية فعلياً، لكنها تعود إلى جميل وكان يستقلّها صديق له.
من جهته، يقول المطارَد محمد السعدي، في حديث إلى وسائل الإعلام، إن الجيل الجديد في مخيم جنين هو مشروع شهادة من أجل الانتصار، و«من يقف ضدّ المقاومة فهو في صفّ الخيانة، لأن من يحمل الحجر والبندقية والذخيرة عليه أن يرفعها في وجه الاحتلال». ويؤكد السعدي أن الاشتباكات والمقاومة ستستمرّان في جنين، و«الاحتلال واهم عندما يعتقد أن اعتقال الشبان سيوقفهم عن مسيرتهم النضالية، فالواقع عكس ذلك».
وبحسب مصادر مطلعة، فإن المشهد الميداني متّجه في مزيد من التصعيد في جنين ومخيمها، على رغم وجود قرار لدى السلطة والعدو بإنهاء ظاهرة الاشتباك المسلح التي برزت بشدة أخيراً. وما يعزّز سيناريو استمرار التصعيد هو وجود مجموعات من المطلوبين والمطارَدين الذين يرفضون تسليم أنفسهم للاعتقال سواءً لدى أمن السلطة أو العدو. كما أن الوضع الآن أشبه ببداية معركة مخيم جنين في نيسان خلال الانتفاضة الثانية، حيث إن المقاومين من عدّة فصائل، ولا ينتمون إلى حزب سياسي واحد، فهناك مقاتلون من «حماس» و«الجهاد الإسلامي» و«فتح»، وهم يوزّعون أنفسهم ومهامّهم تحت مسمّيات مختلفة منها: «كتائب شهداء الأقصى»، «سرايا القدس»، «كتائب القسام»، «مجموعات الشهيد جميل العموري».
عند الحديث عن جنين ومخيمها، فالأمر لا يشبه مجرّد «جيوب مسلحين» يمكن القضاء عليها بسهولة، فمئات البنادق تحملها أيْدي الشبان، وفي أيّ لحظة قد يقرّر أيّ واحد منهم أن يصبح «مقاوماً ثمّ مطلوباً» لجيش العدو، وهذا ما تدلّ عليه «التجربة الجنينية» في معركة «سيف القدس»، حيث تَوالد المقاومون واحداً تلو آخر ليصبحوا مجموعات من عدّة فصائل.