درعا | من المدخل الشمالي، تلِج «الأخبار» محافظة درعا، التي تسودها حالة من الترقّب لتطوّرات المباحثات المعلّقة حالياً بين «اللجنة الأمنية» الحكومية من جهة، و«اللجنة المركزية» المفوّضة من قِبَل المسلحين من جهة أخرى. من على مبنىً مشرف، يشرح ضبّاط الجيش السوري الخارطة العسكرية للمنطقة، حيث تميل كفّة السيطرة لصالح الجيش الذي يشرف بالنار على القطاعات الحيويّة من أحياء درعا البلد والمخيّم وطريق السدّ، والتي يتمركز فيها الثقل الأكبر للمسلحين. على معبر السرايا المخصّص لخروج المدنيين، حركة مرور خفيفة، وسط انهمار متقطّع لرصاص القنص الذي يثقب الجدران المجاورة، بين حين وآخر. لعلّ أبرز ما يفكّر به المدنيون الداخلون والخارجون عبر المعبر هو شكل الحسم الذي ستستقرّ عليه المنطقة، وسط تخوّفٍ من عملية عسكرية قد تُدخل أحياء المدينة في دائرة النار المباشرة. تخوّفٌ ترافقه الخشية من عمليات سرقة ممنهجة ومنظّمة تنفّذها مجموعات مسلّحة، تبع اثنين من رؤوس العصابات هناك، هما محمد المسالمة ومؤيد الحرفوش. منذ الصباح الباكر، يقف أبو عمار ـــ الفلسطينيّ الجنسية ـــ إلى جانب درّاجته الهوائية طالباً الدخول إلى حيّ المخيم، حيث يقيم مع زوجته منذ سنوات طويلة. بلهجة أهل حيفا، يحدّث «الأخبار» عن معاناته مع «مجموعة أشخاص يطلقون الرصاص عشوائياً في ساعات الليل»، لافتاً إلى أنه «يعبر بين ضفّتَي معبر السرايا بشكل اعتيادي لتحصيل بعض الحاجيّات الأساسية من خارج أحياء درعا البلد»، التي كان الجيش أقفل جميع المعابر المؤدّية إليها، لمنع وصول تعزيزات أو نقل سلاح للمسلحين داخل الأحياء، باستثناء معبر واحد هو معبر السرايا الذي يمرّ منه المدنيّون اليوم.برفقة دورية أمنية، تجوب «الأخبار» جميع الشوارع المتاخمة لخطوط التّماس، حيث لا حشود عسكريّة تابعة للجيش، ولا آليّات ثقيلة تُذكر. فقط أسئلة المهجّرين المقيمين في مراكز الإيواء القريبة هي التي تطالعك. «متى نعود؟»، يسأل غالبيّة مَن التقيناهم، ليُجيب رئيس «لجنة المصالحة» في درعا، محمد الرفاعي، في حديثٍ إلى «الأخبار»، بأنّ «العودة مرهونة برضوخ المسلّحين لشروط الدّولة السورية، التي ترى أن درعا البلد يجب أن تكون نموذجاً سيُعمّم على الرّيفَين الشرقي والغربي، وذلك في بسط سيطرة الدولة وحفظ الأمن والاستقرار». أمّا على الطريق الدولي دمشق ـــ درعا، فالسيّارات ذات اللوحات السعودية والخليجية تَعبُر بشكلٍ طبيعي باتجاه معبر نصيب، الذي أُعيد افتتاحه بعد تراجع وتيرة التصعيد الأخير، في ظلّ إشارات إلى نأي الجانب الأردني بنفسه عن الأحداث. لكن مسؤولين حكوميّين سوريّين يتحدّثون عن دعمٍ إسرائيلي مستتر بدأت تظهر بعض علائمه أخيراً، بحجّة مواجهة إيران والقوات المتعاونة معها. وفي هذا الإطار، يقول أحد ضبّاط الجيش، لـ«الأخبار»، إنّ «المحافظة بكاملها لا تشهد أيّ تواجدٍ لعناصر إيرانية» منذ عامين تقريباً، مضيفاً أن تلك العناصر «تواجدت سابقاً بمهمة استشارية قبل صيف 2018». ويؤكد الضابط وجود «رغبةٍ سوريةٍ أكيدة في طيّ ملف درعا البلد بطريقةٍ سلمية»، لكنه يترك الباب مفتوحاً أمام كلّ الاحتمالات، بما فيها الخيار العسكري. وبحسب توقّعات المسؤولين الرسميّين، فإن الأمور تتّجه نحو مرحلةٍ جديدة من المباحثات، برعاية أكبر من الجانب الروسي الذي يصرّ على حسم القضية عبر الاتفاق، مقدّماً نماذج متنوّعة لما يمكن أن يكون عليه شكل التسوية المنتظرة.