لم تعرف الجبهة بين الجيش السوري ومسلحي المعارضة في محافظة القنيطرة (جنوب سوريا) الهدوء منذ ما يزيد على ستة أشهر. ومع ازدياد هجمات المسلحين، المنتمين بغالبيتهم إلى «الجبهة الإسلامية» و«جبهة النصرة»، على مواقع الجيش في القطاع الأوسط للمحافظة، بعد سيطرتهم شبه الكاملة على القطاع الجنوبي، يظهر حجم الدعم الإسرائيلي للمسلحين أكثر فأكثر، في معركة واضحة ومكشوفة للسيطرة على مصادر المياه في الأجزاء المحررة من القنيطرة.
توفّر بحيرة طبريا في الجولان السوري المحتلّ ثلث حاجة الكيان الإسرائيلي من المياه سنويّاً، على ما تشير أغلب الدراسات الصادرة في العقد الأخير. إلّا أن هذا العام، تعاني البحيرة انخفاضاً كبيراً في معدّل المياه، ما يزيد النقص في قدرة الكيان على توفير احتياجاته المائية بنحو خطير. وعلى ما يؤكّد أحد المصادر العلمية الرسمية السورية، «تحتاج إسرائيل إلى كل قطرة مياه على أراضي القنيطرة المحررة لتعويض النقص الحاصل في مخزونها المائي». «من تدمير وتخريب محولات السدود، وتحويل روافد المياه في اتجاه المضخات الأردنية إلى بحيرة طبريا، إلى تخريب الشبكة المائية، إلى قتل عمّال مصلحة المياه، إسرائيل تستخدم المسلحين للسيطرة على مياه القنيطرة»، يضيف المصدر.
وتشير مصادر عسكرية معنية بمعارك الجنوب، إلى أنّ «المسلحين عمدوا إلى مهاجمة كل مراكز الجيش المحيطة بأكثر من سبعة سدود ومسطحات مائية في المحافظة، آخرها الهجوم على بلدة القحطانية»، ويتابع: «نجحوا في ضرب أغلبها في الجنوب، وهناك مقاومة شرسة في القطاع الأوسط».
ويبدو واضحاً، بحسب مصادر عسكرية ميدانية أخرى، أن المسلحين، وبينهم أردنيون وفلسطينيون وليبيون وسعوديون، «لا يستقرون في مراكز الجيش القريبة من الشريط العازل بعد السيطرة عليها، بل يدمرونها فحسب، كما حصل في معركة التلول الحمر الشرقية والغربية (شمال بلدة الرفيد) قبل شهر»، علماً بأنها تلال استراتيجية تقع على مقربة من «الشريط العازل» للجولان المحتل، وعلى مقربة من سد كودنة الضخم من الشرق، وفي مقابل موقع «تل الفرس» الإسرائيلي. ويقول المصدر إن «اتفاقاً بين جيش الاحتلال وبعض الكتائب الإسلامية جرى التوصّل إليه بخصوص التلول الحمر، يقضي باكتفاء المسلحين بالغنائم وعدم الاستقرار في المواقع».
وتحذّر المصادر العلمية من «إمكانية قيام إسرائيل في المستقبل القريب، بشفط منسوبات السدود، بالإضافة إلى إمكانية السحب من المياه الجوفية بإقامة مضخات على الحدود».
بعد ظهر أول من أمس، تمكّن الجيش من استعادة سيطرته على بلدة القحطانية في جنوبي شرقي مدينة القنيطرة القريبة من سد «أم العظام». وبدأت المعارك العنيفة في البلدة الخميس الماضي، إثر سيطرة مسلحين من «حركة المثنى الإسلامية» و«جبهة النصرة» و«لواء الفرقان» و«جماعة بيت المقدس» على موقعين للجيش. وأعلن المسلحون تحت عنوان «معركة اقتراب الوصول إلى الشام الرسول»، نيتهم الوصول بعد القحطانية إلى مدينة البعث وخان أرنبة، شمالي شرقي مدينة القنيطرة، ما يسمح لهم بالسيطرة على كامل القطاع الأوسط.
وأفاد شهود عيان ومصادر عسكرية سورية متابعة لـ«الأخبار» أن «المسلحين دخلوا البلدة من الجهة الغربية والجنوبية، بمحاذاة الشريط العازل مع الجولان المحتل، وبعضهم دخل من ثُغَر في الشريط قادمين من القطاع الجنوبي، تحت غطاء مواقع قوات الاحتلال الإسرائيلي القريبة».
وبالتزامن مع الهجوم على القحطانية، هاجم المسلحون مواقع القوات السورية المقابلة لمعبر القنيطرة مع الجولان المحتل، من دون أن يتمكنوا من السيطرة عليها. وتشير المصادر العسكرية إلى أن «قوات الاحتلال كانت تتابع عن كثب عبر دورياتها ومواقعها سير المعارك، وسمحت بتسلل المسلحين من فجوات في الشريط، وأصيبت إحدى الدبابات السورية بصاروخ حراري من داخل الشريط المحتل». وبالتزامن مع معارك استعادة القحطانية، شنّ الجيش هجوماً مدفعياً عنيفاً على تجمعات المسلحين في بريقة وبئر عجم والصمدانية وسد الرويحنية، بهدف قطع طرق إمدادهم وإشغالهم، بالإضافة إلى محاولات التقدم في أكثر من نقطة في القطاع الأوسط. وتقول مصادر أمنية متابعة، إن «غياب المقاتلين المحليين بدأ يظهر أخيراً»، مشيرة إلى أن «الاقتتال بين النصرة والمجالس العسكرية التابعة للجيش الحر يمتد من درعا إلى القنيطرة».
وتنتهي اليوم «مهلة» الـ 72 ساعة التي أعطتها مجموعات مسلحة لأهالي البعث وخان أرنبة للخروج من بلدتيهما. البيان الذي حمل توقيع جهات عدة بينها، «سرايا الجهاد الإسلامية» و«جماعة بيت المقدس»، و«لواء الناصر صلاح الدين» و«لواء عاصفة الجولان الأول»، جاء على خلفية «اتهامات» لأهالي البلدتين بدعم الجيش، بعد مصالحات حصلت في الأشهر الماضية أدت إلى تسليم المسلحين المحليين أنفسهم للسلطات الرسمية.