واصلت محافظة دير الزور أمس تصدّر المشهد الميداني السوري، على وقع المعارك الدامية بين «الدولة الإسلامية في العراق والشام» من جهة، و«جبهة النصرة» وحلفائها من جهة أخرى، وسط مؤشرات توحي بمزيد من التصعيد، ومعارك دموية غير مسبوقة.
وخلافاً لما دأبت عليه «النصرة» وحلفاؤها في الأيام السابقة، أقروا أمس بتقدّم «داعش». وأعلن «الجيش الحر» في السياق «النفير العام»، ودعا أمين سر «الحر»، عمار الواوي، جميع الفصائل المقاتلة إلى «دعم جبهات دير الزور والرقة وحلب من أجل مواجهة مخططات النظام بإفشال الثورة». ويبدو أنّ دعوة الواوي جاءت استجابة لـ«نداء شرعي»، أطلقه أبو عبد الملك الشرعي، محمود طيبا، وهو «رئيس المجلس الشرعي للجبهة الإسلامية». نداء الشرعي جاء عبر كلمة صوتية مُسجلة، أشبه بصرخة استغاثة، دعا فيها «مجاهدي الجبهة الإسلامية، وجبهة النصرة، وجيش المجاهدين إلى المسارعة لفك الحصار عن دير الزور»، فيما أطلق تنظيم «داعش» تحذيرات مفادها بأن «مدينة دير الزور ستشهد خلال الساعات المقبلة تصعيداً عسكرياً كبيراً»، ودعا الأهالي إلى «التزام بيوتهم وعدم القتال». وأعلن «داعش» إغلاق معبر «الجنينة» في مدينة دير الزور، وهو صلة الوصل بين الأحياء الخاضعة لسيطرته والأحياء الخاضعة لسيطرة الدولة السورية بدءاً من اليوم.
وكان التنظيم قد وسّع مناطق نفوذه في المدينة وريفها، مسيطراً على المدخل الشمالي الشرقي للمدينة من جهة الحسكة، ودخل إلى المدينة الصناعية وفرض سيطرته على منطقة المعامل وصوامع الحبوب. قبل أن تتحوّل المعارك إلى أخذ ورد، من دون تقدم حاسم لأحد الطرفين، وسط أفضلية ميدانية لـ «داعش». وأفادت مصادر ميدانية لـ«الأخبار» بأنّ إمدادات على وشك الوصول لكلا الطرفين، وأن «المدينة تعيش حالة ترقّب وهلع غير مسبوقة».
على صعيد آخر، شهد حيّ جوبر في ريف دمشق تغييراً في مسار العملية العسكرية فيها، بعدما عمد الجيش السوري الى استهداف الجبهة الشرقية منه.
وفي الأيام الأولى لمعركة جوبر، حالت عمليات الإمداد والمساندة التي كانت تصل إلى مسلحيها عن طريق عين ترما، دون تمكن الجيش من التوغل في شكل سريع داخل مناطق جوبر. مصدر عسكري أكد لـ«الأخبار» أنّ «المسلحين فقدوا كافة خياراتهم في المدينة، حيث أصبحت جوبر محكومة بطوق شبه كامل حولها. هذا ما سيمهّد إما لحسم المعركة سريعاً، أو فتح الباب أمام عمليات مصالحة وتسوية تجري على أساسها تسوية أوضاع المسلحين».
وفيما يستمر الجيش في قصف تجمعات المسلحين داخل مدينة المليحة في الغوطة الشرقية، تتركز أنظار وحداته على منطقة مزارع الطباخة، وهي البساتين المحيطة بالمدينة بالقرب من معمل الكبريت وطريق مرج السلطان، حيث تمثل هذه المزارع الهدف الرئيسي للجيش في المليحة.
وعلى الجبهة الجنوبية لريف دمشق، يواصل الجيش قصفه لتجمعات مقاتلي المعارضة المسلحة في حي جورة الشريباتي داخل منطقة القدم، وبعد الخلافات التي انتشرت في أوساط مقاتلي المعارضة المسلحة في عموم الغوطة الشرقية، حيث كثرت الاتهامات بالتخاذل أو «بالتواطؤ مع النظام» على خلفية انسحابات «الكتائب» المقاتلة، اجتمع ممثلون عن «الهيئة الشرعية لجيش الإسلام» و«المكتب الشرعي للاتحاد الاسلامي لأجناد الشام»، بعد خلافات عميقة بين الطرفين، على خلفية مجريات معركة المليحة. وخلص الاجتماع إلى بيان ختامي، أظهر فيه الطرفان امتعاضهما من اشتداد الخلاف، حيث أن «مما يندى له الجبين، وتشمئز منه النفوس، ما يشاع اليوم على ألسنة الناس، وينتشر بكثرة على صفحات الانترنت، من بث للشائعات والضغائن والقيل والقال». وأعلن الطرفان: «إننا نبرأ إلى الله عز وجل من كل غيبة ونميمة وتحريش بين أبناء الدِّين الواحد. إن الواجب الشرعي على جميع إخواننا المجاهدين، أن يقفوا صفاً واحداً... وألا يضعفوا صفوفهم بنشر الأراجيف والشائعات والقيل والقال».
إلى ذلك، كشفت مصادر مطلعة في وزارة المصالحة الوطنية، لـ«الأخبار»، أن المعلومات الواردة عن عملية تسوية في دوما غير دقيقة، إلا أنه «جرى التوصل إلى اتفاق على تبادل يشمل المخطوفين لدى مسلحي دوما والمعتقلين لدى الدولة. على أن تجري العملية خلال الأيام القليلة المقبلة. وأن سرعة التنفيذ متوقفة على مدى تجاوب المسلحين والأجهزة الأمنية مع العملية». يذكر أن أعداداً كبيرة من المخطوفين لا تزال قيد الاعتقال في «سجن الدولة» التابع للمعارضة المسلحة في دوما. وكانت أكبر عمليات الخطف قد حصلت على خلفية أحداث مدينة عدرا العمالية، أواخر العام الماضي.
وفي حلب، شمالاً، نشبت اشتباكات عنيفة بين الجيش ومسلحين في حي جمعية الزهراء، بعدما تمكّن المسلحون من السيطرة على أبنية جديدة..