«لقد جُنَّ!».. قالت زوجة الرئيس تلك العبارة، وغُصّة مريرة تلوح في صوتها، ثمّ لاذت بالصمت، ونكّست رأسها. تردّد المترجم التونسي قليلاً في نقل الكلمة التي تفوّهت بها السيدة وسيلة، وهي تصف حالة زوجها. ثمّ قرّر أن يكون أميناً في عمله. وران الصمت برهة في قاعة الاستقبال الأنيقة في الجناح الخاص بالسيدة الأولى، في قصر قرطاج. كان وجه «الماجدة» كسيفاً، وبدا في عينيها غمّ ثقيل. وحاول الدكتور ميغال، اختصاصي الأمراض النفسية والعصبية الذي انتُدِب لمعاينة حالة الحبيب بورقيبة المتدهورة، أن يهدّئ من روعها، فقرّب جسمه قليلاً من الأريكة التي جلست عليها الزوجة الحزينة، وقال لها بصوت حاول أن يشحنه بقدر من التعاطف: «سيّدتي، لقد جئنا إلى هنا لمساعدتك. ونريدك أن تروي لنا ماذا حدث للسيد الرئيس». تململت وسيلة بورقيبة قليلاً في معطفها الأسود، ثمّ أنشأت تقول: «أنا حقّاً لا أعلم ماذا أصابه. لقد تغيّر كثيراً. أصبح كئيباً، وغضوباً، ونكِداً، ومهووساً بالموت والخيالات السوداء». صمتت وسيلة، وكأنها تسترجع ذكريات قديمة، ثم أردفت قائلة: «عرفتُه منذ أربعين عاماً. مذ كنت صبيّة. التقينا أوّل مرّة في حفلة عرس شقيقه الأكبر أحمد. وقد أحبّني سي لحبيب، منذ ذلك اليوم حبّاً لا يوصف... كان دوماً رقيقاً وحنوناً، وشغوفاً». وأطرقت السيدة رأسها قليلاً، ثمّ تنهّدت، وأكملت: «تغيّر كلّ هذا... تغيّر الرجل شيئاً فشيئاً... تغيّر كثيراً، كما لو أنّ شيطاناً تلبّسه!». زفرت وسيلة زفرة حارّة، وكأنّها تطلق من حنايا صدرها آهة، ثم أكملت قائلة: «قبل أيّام، حاول أن يخنقني. ضغط على رقبتي بكلّ قوّته، وهو يصرخ: «يلزم أن تموتي... يلزم أن لا تعيشي بعدي»... ولولا تدخّل بعض الخدم في القصر ليفكّوني منه، فربّما كنت الآن ميّتة». سأل الدكتور برينس السيدة وسيلة: «هل هذا السلوك العدوانيّ الذي قام به تجاهكِ جديد، أم حصل شيء مماثل له من قبل؟». قالت وسيلة: «لا. هذه هي المرّة الأولى التي يحاول فيها أن يقتلني. ولكنّها ليست أوّل مرّة يحاول فيها أن يقتل نفسه». سألها الطبيب الأميركي: «هل حاول الرئيس الانتحار؟!». أجابت وسيلة: «نعم، حصل ذلك أكثر من مرّة. قبل أسبوعين تقريباً، طلب من أحد الحرّاس في القصر أن يعطيه مسدّسه. أصابته نوبة هيستيريا، وكان يصرخ قائلاً إنه يريد أن يموت، ويضع حدّاً لحياته الأليمة». سأل الدكتور ميغال السيدةَ وسيلة: «لماذا أراد أن ينتحر؟». أجابت الزوجة البائسة: «لا أعرف سبباً لذلك. لم أعد - حقيقةً - أدرك أسباب ثوراته العارمة... هو يشكو، منذ زمن طويل، من الأرق المتواصل. وبعد الأزمة القلبية التي تعرّض لها، قبل أربع سنوات، لم يعد سي لحبيب قادراً على النوم طوال الليل. وهذا الأرق الذي يعاني منه أثّر كثيراً على صحّته، ومزاجه، وتفكيره، وسلوكه. صار ينفعل لأتفه الأسباب. وحتى حينما ينام أحياناً وقتاً قصيراً في الظهيرة، يستيقظ من نومه غاضباً هائجاً حانقاً. وأصبح الرئيس يستغرق في نوبات حادّة من البكاء، ويكثر من الشكوى، ويردّد دائماً أنّه بلا حول ولا قوّة... في الحقيقة، بِتُّ أخشى أن يسبّب لنفسه مكروهاً. إنّه إن آذى نفسه، فلن تنحصر الأذيّة في شخصه، بل هي قد تضرّ البلاد بأكملها». سكتت وسيلة قليلاً، ثمّ أكملت قائلة: «ذهبتُ مع الرئيس إلى باريس، ثمّ إلى ليون، لمعالجته من الاكتئاب. وخضع سي لحبيب لدورتَين كاملتين من الفحص الشامل، لكنّ وضعه لم يتحسّن على الإطلاق، بل زاد سوءاً... هو الآن يقضي معظم وقته في الفراش، ويتناول جرعات كبيرة من الأدوية المهدّئة، ولكنّه لا يزال يعاني من قلّة النوم، ومن الهلوسات». لوّحت وسيلة بيدها في سأم، وهزّت برأسها متبرّمة، وقالت بيأس: «حالته تتفاقم. وصار يعاني من اضطراب كبير في الكلام. لعلّ ذلك بسبب الأدوية المهدئة الكثيرة التي يتناولها. المحزن أنّه لم يعد يستطيع أن يقول جملة قصيرة من دون أن يتوقف في منتصفها، ليبحث عن الكلمة المناسبة. وعندما يُعيِيه البحث عن العبارات، ينظر إليّ بأسى طالباً منّي المساعدة». أضافت الزوجة المهمومة: «حار الأطباء في أمره. جلبنا أجهزة لفحصه لم تكن موجودة في تونس. ذهبت به مرّات إلى زيوريخ، وإلى بون، للعلاج. بقي في مستشفى الجامعة في بون مدّة يعالَج على يد البروفيسور هوبر. ولكنّ النتائج لم تتحسّن». تنهّدت السيدة وسيلة، ونظرت إلى الطبيبَيْن الأميركيين نظرة رجاء. وأكملت حديثها قائلة: «من أجل كلّ ذلك طلبتُ من السفير كالهون أن يساعدني في إنقاذ صديق قديم للولايات المتحدة. ورجوتُه أن يتّصل بالرئيس نيكسون لينقذ تونس ورئيسها من هذا المصير الأليم».
كتب كالهون أن بورقيبة يرى نفسه «مثل تمثال أطلس ذي الأذرع المشرّعة التي تمسك تونس حتى لا تسقط»


كتلة من الأمراض والجنون
في اليوم الأخير من عام 1970، أرسل السفير الأميركي في تونس، جون أرشيبالد كالهون، برقية دبلوماسية¹ إلى وزير الخارجية ويليام روجرز، يشرح له فيها وضع الرئيس الحبيب بورقيبة الصحّي والنفسي والعقلي. وتكشف برقية السفارة الأميركية ما خلُص إليه الطبيبان اللذان استُدعيا، على عجل من أميركا، ليشخّصا حالة رئيس تونس. وامتدّ الفحص الشامل لبورقيبة يومين كاملين، وشارك في الاختبارات فريقٌ من الأطباء التونسيين. وحضر خصّيصاً من باريس طبيب القلب الشهير، جون لوناغر، الذي سبق له أن عالج بورقيبة من أزمته القلبية العصيبة في آذار 1967، وحضر كذلك طبيب سويسري اختصاصي في الاضطرابات العصبيّة. وقرّر أولئك الأطباء أنّ بورقيبة مصاب بحالة اكتئاب حاد، مصحوب بجنون الاضطهاد (بارانويا). كما أنّه يعاني من تدهور سريع، وضعف متقدّم في قواه العقلية. وأظهرت صور الأوعية الدماغية تصلّباً في شرايين مخّ بورقيبة جرّاء تراكم الكولسترول، ما أدّى إلى إصابته بجلطة دماغيّة، وقدّر الأطباء أنّ وضع المريض يمكن تداركه، لكنّه قد يتفاقم، ويزداد خطورة إن لم يعالج بسرعة وفوراً. ويشكو بورقيبة، بحسب التقرير الذي أعدّته السفارة الأميركية، من صعوبة في التحدّث ما يجعل كلامه غير مفهوم أحياناً، ومن شعور متواصل بالدوار والصداع وفقدان التوازن وعدم القدرة على المشي والخدر والتنميل في أطراف جسمه ووجهه، ومن فقدانٍ للقدرة على الرؤية الواضحة بإحدى عينيه، ومن مشاكل في ذاكرته. ومن صعوبة في البلع. ويعاني رئيس تونس من مجموعة من الأمراض، أبرزها الارتفاع الحاد في ضغط الدم، وارتفاع نسبة الكولسترول بالدم، وزيادة في مستوى السكر في الدم، والالتهاب في الكبد... وزادت شراهة الرجل للتدخين، طوال عشرات من السنين، في تعقّد حالته.
بيد أنّ أسوأ ما كان يعاني منه الرئيس التونسي، هو جنون العظمة الذي تملّك رأسه. وبحسب ما كتبه السفير الأميركي، فقد كان بورقيبة يرى نفسه «مثل تمثال أطلس ذي الأذرع المشرّعة التي تمسك تونس حتى لا تسقط». ويضيف كالهون: «لقد لصق بذهن الرجل أنه اقترب من نهايته، وأنّ تونس نفسها ستنتهي معه. لأنّ تونس متماهية، في عقله، مع ذاته هو». وختم كالهون تقريره عن بورقيبة بالقول: «إنّ حكمه يقترب من نهايته. وتقديراتنا، وفق ما تبيّن من حالته الصحيّة، أنّه لن يكون على قيد الحياة في مثل هذا الوقت من السنة القادمة».

«ماتوا قبل مَن دَفنُوا»
لم تصدُق نبوءة السفير الأميركي كالهون عن نهاية بورقيبة الوشيكة التي لن تتجاوز عاماً، في أقصى تقدير. (مات كالهون، في نهاية المطاف، قبل بورقيبة) ولم تصدق كذلك نبوءة الطبيب الفرنسي، جون لوناغر، الذي منح الرئيس التونسي المُثقل بالعلل فسحة قصيرة من السنوات، قبل أن تقضي أمراضُه عليه. (مات طبيب القلب الشهير - هذا - بعد بضعة أشهر فقط من نبوءته عن نهاية بورقيبة)². وحتى الزوجة وسيلة التي كانت مهمومة وخائفة على زوجها من أن يموت قبل الأوان، مضت هي إلى القبر قبله، بعدما عبث الزمان بقصّة حبّهما.

أسوأ ما كان يعاني منه الرئيس التونسي، هو جنون العظمة الذي تملّك رأسه (من الويب)

وأمّا بورقيبة نفسه، فقد استبدّ هاجس الموت على تفكيره، وصدّق النبوءات عن وفاته الوشيكة. فمضى يعدّ نفسه لعالم الأبديّة، وأصبح شغله الشاغل كيف ينجز وداعاً يليق بمكانته في التاريخ. وكان بورقيبة شيّد لنفسه، في عام 1963، ضريحاً فخماً في مدينة المنستير (مسقط رأسه). ولكنّه الآن ما عاد راضياً بمجرّد ضريح. هو يريد أن يُدفن في صرح لا مثيل له. وبماذا يفوقه محمد الخامس الذي بنى له ابنه معلماً فريداً، في الرباط؟! نادى الرئيس التونسي مستشاره في الهندسة المعمارية، أوليفييه كليمون كاكوب، وأمره بأن يطوف في جميع أنحاء العالم، ويزور أشهر النصب التذكارية، ويستلهم أشكالها وزخرفتها، من أجل تشييد مقبرة ليس لها مثيل تليق بجثمان «المجاهد الأكبر، وباني تونس الجديدة، ومحرّر المرأة». وفعلاً شُيّد الصرح الفخم الذي سمّاه بورقيبة «روضة»، بعدما تمّت مصادرة ثلث مساحة مقبرة المنستير لبناء ذلك المعلم المذهّب.
ثم عنّ للرئيس، فجأة، خاطر عجيب: إنّه لا يليق بجسد بورقيبة أن يوارى في الثرى، كأيّ جسد عاديّ! لا، العظماء الذين هم في حجم بورقيبة لا ينبغي أن يدفنوا في التراب! هل دفن المصريون رمسيس الثاني؟! هل دفن الروس لينين؟! وهل بورقيبة أقلّ قدراً من رمسيس الثاني، أو حتى من لينين الذي خُلِّد ذكره، وأبقيت صورته وجثمانه؟! استدعى الرئيس وزيره محمد المصمودي، وأمره أن يذهب إلى بريجنيف فوراً، ويطلب منه الاطّلاع على وصفة تحنيط لينين لكي تُجرّب على جثمان بورقيبة بعد موته. وسافر وزير الخارجية التونسي بالفعل إلى موسكو، لكنّ مطلبه الغريب لم يحظَ بالاستجابة. فقد صرف بريجنيف مبعوث بورقيبة ولم يبالِ به³. ولم تُسقط هذه الهزيمة الصغيرة في يد سي لحبيب، فقد قرّ رأيه أنّ جثمانه إذا لم يَحْظَ بالتحنيط ليبقى سليماً، ويظلّ التونسيون يتطلّعون له، كلّما حجّوا إلى ضريحه، بإجلال وخشوع، فليس أقلّ من أن يُحفظ الجسد في تابوت يعلو سطح الأرض، لا أن يوارى تحت التراب. وكذلك مضى الرجل في الإشراف على بناء تابوته العجيب الذي سيحتضن جثمانه، ويطوف التونسيون والأجانب من حوله، كما يطوف الحجّاج بكعبتهم.
شُيّد الصرح الفخم الذي سمّاه بورقيبة «روضة»، بعدما تمّت مصادرة ثلث مساحة مقبرة المنستير لبناء ذلك المعلم المذهّب


ثمّ خطر لبورقيبة خاطر آخر: كيف يجب أن تكون جنازته؟ وكيف سيمضي ذلك الموكب الجليل في أنحاء تونس؟ ومن الذين يجب أن يكونوا حاضرين في مراسم الوداع؟! إنّ بورقيبة ليس أقلّ قيمة من تشرشل. ولا يجب أن يكون الملوك والرؤساء الذين سيتوافدون إلى جنازة بورقيبة أقلّ عدداً أو أدنى مكانة من الذين حضروا جنازة تشرشل أو إيزنهاور! رفع بورقيبة سمّاعة الهاتف، وأمر وزير الداخلية أن يأتي إليه في قصر سقانص فوراً. ولم يستطع الوزير أن يفهم من رئيسه سرّ هذا الاستدعاء العاجل. ولم يكن أمام الطاهر بلخوجة سوى أن يجيء مسرعاً، من تونس إلى المنستير التي كان يقيم فيها بورقيبة. وعرف الوزير، حينما وصل إلى القصر، أنّ الرئيس طلب أيضاً محمد الصيّاح (مدير الحزب الحاكم)، ونجله الحبيب بورقيبة الابن. ثمّ علم هؤلاء أنّ الزعيم يريد أن يبلّغهم جميعاً وصيّة خطرت للتوّ على باله. قال بورقيبة لأعوانه الثلاثة الذين استدعاهم على عجل: «كنت مستغرقاً في التأمّل، حينما تذكّرت أمراً شاهدتُه قبل فترة طويلة... حَدثَ، أيّامَ كنتُ طالباً في باريس، أنّ الفرنسيين أرادوا تكريم جان جوريس. وقرّروا دفنه في «البانتيون» (مقبرة العظماء في فرنسا)... كنتُ وقتها واحداً من الناس الكثيرين الذين حضروا في الشوارع، ليروا موكب دفن الرجل. وأعدّت المراسم بشكل مهيب حقاً، ترك أثره في نفسي». صمت بورقيبة قليلاً، ثمّ أضاف: «تلك الذكريات القديمة جعلتني أفكّر كيف سيكون موكب جنازتي أنا؟!... أريد أن يكون الموكب في قمّة العظمة والروعة... يجب أن يكون حدثاً يتحدّث عنه العالم بأسره». تطلّع بورقيبة في وجوه مساعديه، ثمّ قال لهم: «لقد دعوتكم إلى هنا لتسجّلوا ماذا يجب عليكم أن تفعلوا عندما أموت». والتفت الرئيس إلى نجله، وقال له: «أكلّفك أنت أن تبلّغ الخبر إلى رؤساء الدول الكبيرة: أميركا، وفرنسا، وملكة إنكلترا، ومستشار ألمانيا... وكلِّم بريجنيف أيضاً، وزعيم الصين، وأنديرا غاندي، والبقية... يجب على الجميع أن يكونوا حاضرين في الجنازة». سكت بورقيبة هنيهة، ثمّ أضاف: «يجب أن يتأجّل الموكب الجنائزيّ يومين على الأقل، بعد إعلان الوفاة، حتى يتسنّى لجميع قادة العالم الحضور في جنازة بورقيبة». ثم التفت الرئيس التونسي إلى مدير الحزب، وقال له: «سي محمد الصيّاح، مهمّتك أن تجعل تونس كلّها في حداد. يلزم أن ترتبط تونس كلّها بالحداد. الشعب التونسي كلّه يلزمه أن يحسّ بالفاجعة، ويهبط، على بكرة أبيه، إلى الجنازة». نظر بورقيبة، بعد ذلك، نحو وزير الداخلية4 وقال له: «الإشراف على تنظيم مسار الموكب مهمّتك أنت. موكب الجنازة يجب أن يكون سيراً على الأقدام، وأن يعبر، ببطء، كامل الطريق من قصر قرطاج حتى الوصول إلى روضة آل بورقيبة في المنستير». استدرك الرئيس قائلاً لوزيره: «ستقول لي: إنّ المسافة بين نقطة الانطلاق ونقطة الوصول طويلة... أعرف ذلك... المسافة 140 كيلومتراً. يجب أن يسير الشعب كلّه وراء نعش بورقيبة. كلّ ولاية من ولايات تونس العشرين يجب أن يتشرّف أبناؤها جميعاً بالسير خلف بورقيبة. لا يجب أن تترك شيئاً للصدفة. طول مسافة الطريق يُقسَّم على عدد ولايات البلاد العشرين... يجب على أبناء كلّ ولاية، بالتساوي، أن يسيروا خلفي لمسافة سبع كيلومترات. ثمّ ينتقل الشرف إلى ولاية أخرى. وهكذا دواليك إلى أن أصل، مع شعب تونس كلّه، إلى الروضة».

■ ■ ■

يوم مات بورقيبة، لم يتمّ اتّباع شيء من وصيّته. بل إنّ مراسم الجنازة نفسها لم تنقل مباشرة في التلفزيون التونسي الحكومي. وكانت قناة «تونس 7» الرسميّة تبثّ طيلة يوم الجنازة برنامجاً عن الحشرات!

هوامش:
1- نُشِر تقرير السفارة الأميركية عن الحالة الصحية للرئيس التونسي الحبيب بورقيبة، في شهر آذار 2008، ضمن برقيات أخرى رُفع عنها حجاب السرية بعد مرور قرابة أربعين عاماً من صدورها. ويتيح القانون الأميركي وفقاً لمبدأ حرية المعلومات في الولايات المتحدة الاطّلاع على الوثائق الرسمية المصنّفة سريّة، بعد مرور خمسة وعشرين عاماً. وقد تزيد هذه الفترة أعواماً أخرى إذا كان في المعلومات المنشورة ما يضرّ الأمن القومي الأميركي. ومن بعدما رفعت إدارة الأرشيف والوثائق الوطنية طابع السرية عن التقرير الأميركي عن حالة الرئيس بورقيبة الصحية، قامت صحف تونسية وعربية بنشر فحوى مراسلة السفير جون كالهون لوزيره ويليام روجرز.
2- روى الشاذلي القليبي، في كتابه «تونس وعوامل القلق العربي»، (دار الجنوب، 2019، ص 187)، أنّ أحد وزراء بورقيبة سأل الطبيب الفرنسي جون لوناغر (Jean Lenègre): «هل هذه الأزمة من شأنها أن تؤثّر على حياة الرئيس؟». فأجابه الطبيب: «لا، ما زال أمام الرئيس فسحة من العمر». فسأل الوزير: «هل يمكن تقدير هذه الفسحة؟». أجاب الطبيب: «خمس سنوات». وبعد هذه النبوءة، بأشهر قليلة، أُعلن عن وفاة الطبيب لوناغر. وكان يمشي في شارع سان ميشال بالحيّ اللاتيني، فوقع مغشيّاً عليه، وتبيّن بعد ذلك أنه مصاب بمرض في القلب. أمّا بورقيبة، نفسه، فطالت به الحياة.
3- روى الطاهر بلخوجة، وزير الداخلية التونسي في سبعينيّات القرن الماضي، قصّة بعثة وزير خارجية تونس محمد المصمودي إلى بريجنيف من أجل الاطّلاع على أسرار التحنيط، في الصفحتين 38 و39 من كتابه «الحبيب بورقيبة: سيرة زعيم - شهادة على عصر» (الدار الثقافية للنشر، القاهرة، 1999).
4- الحوار الذي دار بين بورقيبة وأعوانه حول كيفية الترتيب لجنازته، رواه وزير الداخلية التونسي الطاهر بلخوجة في الصفحة 38 من كتابه المذكور أعلاه.