صنعاء | على رغم غياب التفاؤل بأيّ دورٍ فاعلٍ للأمم المتحدة على مستوى إنهاء الحرب في اليمن، جرّاء الفشل الذي طَبع عملها طيلة السنوات السبع الماضية في هذا البلد، فضلاً عن انحيازها في الكثير من القضايا إلى السعودية والإمارات، أعاد تعيين الدبلوماسي السويدي، هانس غروندبرغ، مبعوثاً خاصاً جديداً للأمم المتحدة إلى اليمن، إحياء الأمل بإمكانية إنعاش «اتفاق استكهولم» المُوقّع بين الأطراف اليمنيّين في 13 كانون الأول 2018، والذي لا يزال تنفيذ بنوده معطّلاً، سواءً لناحية رفْع الحصار عن مطار صنعاء وميناء الحديدة، أو إنهاء الانقسام النقدي والمالي وإعادة صرف مرتّبات الموظفين، أو إتمام تبادل الأسرى والمعتقلين. ولقي تعيين غروندبرغ خلَفاً للبريطاني مارتن غريفيث، ترحيباً من حكومة صنعاء وحكومة الرئيس المنتهية ولايته، عبد ربه منصور هادي، على السّواء، فضلاً عن كلّ من السعودية والكويت وسلطنة عمان. لكن رؤيته السابقة لحلّ الصراع في اليمن أثارت مخاوف حكومة هادي وحزب «الإصلاح»، والتي ألمح إليها رئيس الحزب، محمد اليدومي، في تغريدة له في«تويتر »، لفت فيها إلى أنّه «منذ أكثر من عشرة أعوام والمبعوثون الأمميون يتقاطرون على اليمن، من دون أن يبدأ أحدهم من حيث انتهى مَن سبقه (...) كلّهم يبدأون من نقطة الصفر (...)»، متحدّثاً عن «هرولةٍ ملفتةٍ للنظر بهدف نقل الميليشيات الانقلابية من صفتها الحقيقية إلى شرعنتها»، آملاً «ألّا يبدأ (المبعوث الجديد) كما بدأوا».
«أنصار الله»: تعيين مبعوث جديد لا يعني شيئاً ما لم يكن هناك إعلان صريح بوقف العدوان ورفع الحصار

وكان غروندبرغ، الذي يُعدّ صديقاً مقرّباً لوزيرة الخارجية السويدية، مارجو والستروم، التي نجحت في إيصاله إلى هذا المنصب، قد كشف، قبل طرح اسمه لخلافة غريفيث، رؤيته للحلّ في اليمن، وذلك في مؤتمر حواري عُقد في إسبانيا مطلع أيار الماضي. إذ دعا غروندبرغ، من موقعه كسفير للاتحاد الأوروبي آنذاك، إلى نسيان حيثيات عام 2015، في إشارة إلى القرار 2216 الذي أصدره مجلس الأمن تحت الفصل السابع، كما إلى تجاوز المرجعيّات الثلاث التي تتمسّك بها حكومة هادي ومن ورائها السعودية كإطارٍ لأيّ تسوية سياسية. ورأى المبعوث الجديد، الذي يتمتّع بخبرةٍ تزيد على 20 عاماً في الشؤون الدولية، بما فيها أكثر من 15 عاماً من العمل في حلّ النزاعات والتفاوض والوساطة، أنّ «الأمور على الأرض خلال سبع سنواتٍ تغيّرت، ويجب أن يتمّ الأخذ بها في أيّ حوارٍ قادم، حتى يمكن إحداث اختراق في مسار السلام »، وهو ما أثار حفيظة الرياض وحكومة هادي وحزب «الإصلاح»، الذي يُعدّ المسيطر الفعلي على الأرض في المحافظات الخارجة عن سيطرة صنعاء، باستخدام غطاء «الشرعية». من جهتها، استبقت الولايات المتحدة أوّل زيارة للمبعوث الجديد إلى اليمن، بتصريحاتٍ لوزارة خارجيّتها حاولت فيها توجيه مهمّة غروندبرغ مسبقاً، بما يدعم رؤية مبعوثها الخاص تيم ليندركينغ، والتي فشلت في فرضها على قيادة صنعاء. إذ قالت الخارجية، في بيان، أن ما سمّته «الإجماع الدولي حاليّاً يتمحور حول وقف هجوم الحوثيّين على مأرب»، مطالِبةً غروندبرغ بـ«التركيز على المحادثات السياسية»، وصولاً إلى ما وصفته بـ«إغاثة الشعب اليمني».
أمّا صنعاء، فكانت قد طالبت، عبر بيان لـ«المجلس السياسي الأعلى» صادر الشهر الماضي، المبعوث الجديد، بعدم تكرار التجارب الفاشلة لسلفَيه، داعيةً إيّاه إلى «القيام بدوره، وألّا يتحوّل إلى ناقل رسائل وينحاز إلى طرف العدوان تحت الضغوط الأميركية». من جانبها، شدّدت وزارة الخارجية في صنعاء، السبت، على ضرورة وضع ملفَّي مطار صنعاء وميناء الحديدة على رأس أولويات غروندبرغ، لافتةً إلى أنّ «إنهاء العدوان ورفع الحصار قد يمهّدان للبدء بمفاوضات سلامٍ لتحقيق تسوية سياسية شاملة». وردّاً على إعادة السعودية، لدى ترحيبها بغروندبرغ، الحديث عن المرجعيّات الثلاث كأساس لتحقيق السّلام، دعا وزير خارجية صنعاء، هشام شرف، الرياض، إلى «عدم التسرّع في محاولة إظهار موقف القوة مع قرب بدء مهمّة المبعوث الجديد»، معتبراً أنّ «عليها أن تعي أن السلام في اليمن هو للشعب اليمني، وليس سلاماً تفرضه أو تشترطه السعودية لمصلحة مَن يدور في فلكها أملاً في استمرار لعب دور الوصاية والهيمنة». وفي الإتّجاه نفسه، شدّد الناطق باسم حركة «أنصار الله»، رئيس وفدها التفاوضي محمد عبد السلام، أمس، على أنّ «تعيين مبعوثٍ جديدٍ لا يعني شيئاً ما لم يكن هناك إعلانٌ صريحٌ بوقف العدوان ورفع الحصار، ولا جدوى من أيّ حوار قبل فتح المطارات والموانئ كأولويّة وحاجة وضرورة إنسانية»، مضيفاً أنّ «على دول العدوان أن تدرك ما سبّبه عدوانها وحصارها من معاناة ومن دمار، وأن تعي أنّ استمرار تعنّتها سيكلّفها أكثر وأكثر».