حلب | حلب على أبواب كارثة إنسانية صحية. خزانات المياه المنزلية خاوية، ومياه الآبار الملوثة أصبحت، أيضاً، حلماً بعيد المنال. حلب من دون مياه لليوم التاسع على التوالي. السائر في شوارع المدينة قلّما يرى أحداً إلا هائماً على وجهه، حاملاً عبوة بلاستيكية لملئها، فيما سجلت المشافي عشرات حالات التسمم.
مروان حاضري، الذي يملك متجراً في حيّ الجميلية يقول: «لا أعرف كيف يتوضأ ويصلي هؤلاء (المسلحون)، ويمنعون الماء عن مسلمين مثلهم». في وقت كانت فيه صيحات المنتظرين أمام جامع أبي بكر الصديق في الحيّ نفسه تتعالى: «لا تصورونا جيبولنا مي»، مع دعوات تطلب «تعجيل نصر الجيش السوري لتنتهي المهزلة التي سموها ثورة»، وفق فارس زيتوني، المدرس المتقاعد الذي كان يحمل وعاءً بلاستيكياً برفقة حفيدته.
أحد المشايخ الذين كانوا يراقبون المشهد، قال لأحد الموجودين: «دخلت امرأة النار بسبب هرة حبستها، فلا هي أطعمتها ولا تركتها تأكل من حشائش الأرض، فكيف به من يعطش إنساناً؟ رسولنا أمرنا بالإحسان للحيوان تحت طائلة العقاب الشديد. فأي هيئة شيطانية هذه التي تقطع الماء عن حلب؟».

«حجي المي»... أبو أيمن

تناقلت مواقع التواصل الاجتماعي اسم أبو أيمن، «القيادي في جبهة النصرة»، باعتباره مسؤول «الهيئة الشرعية»، التي عمدت الى قطع المياه عن حلب، ومنعت عمال مؤسسة المياه ومتطوعي الهلال الأحمر من الوصول إلى المضخات.
وبعد «حجي مارع» و«حجي الباب»، خلعت مواقع التواصل على أبي أيمن لقب «حجي المي»، حتى إن بعض الأوساط المعارضة انتقدت، ولو بخجل، قيام «الهيئة» بقطع المياه، الأمر الذي «يضعف موقف الثورة والمجاهدين».
بدورها، انتقدت صفحات «المؤيدين» تأمين مسؤولين في حلب المياه لمنازلهم ومنازل أقاربهم وأصدقائهم. فأحد مسؤولي المدينة الكبار أرسل صهريجي ماء لتعبئة خزانات منزلي أهله وحماته، فيما تعرض حرس (!) الصهريجين للجيران الذين احتشدوا لتعبئة أوعية بلاستيكية قليلة السعة!
زهير حمامي، الرجل السبعيني المهجّر من حلب القديمة، قال لـ«الأخبار»: «أنا أحمّل محافظ حلب مسؤولية التقصير في تلافي آثار إجرام العصابات الإرهابية، وغضب المواطنين على تمييز منازل المسؤولين وأقاربهم عن بقية المواطنين الدراويش».
وحذّر مواطنون من قيام أصحاب صهاريج خاصة بشفط مياه المجاري المنزلية وبيعها للمواطنين، فيما قامت إحدى محطات الوقود الخاصة بتنظيف صهاريج توزيع المازوت وطلائها بمواد عازلة من أجل توزيع المياه للاستخدام المنزلي، كما تناقلت بعض المواقع الإلكترونية.
بدوره، أشار محافظ حلب، محمد وحيد عقاد، في تصريحات صحافية، إلى أنّ «قطع المياه عن المواطنين جريمة إنسانية تضاف إلى الجرائم التي ترتكبها المجموعات الإرهابية ومن يدعمها». وأمَرَ المحافظ بتشكيل غرفة عمليات لمتابعة أزمة المياه على مدار الساعة، متعهداً بإصلاح عشرين صهريجاً معطلة، لضمها إلى ثمانية وعشرين «تعمل على توزيع المياه على المواطنين مباشرة في الأحياء السكنية». وأشار إلى «أهمية حفر المزيد من الآبار»، داعياً مؤسسة المياه إلى «التأكد من صلاحية مياه كل الآبار حفاظاً على صحة المواطنين».
مصادر في المحافظة أكدت أنّ المحافظ أمر بمنع الصهاريج من تعبئة الخزانات المنزلية «لكائن من كان» تحت طائلة المسوؤلية.

مصائب قوم عند قوم فوائد

ومع تصاعد أزمة المياه، ارتفعت أسعار المياه المعلبة التي تحتكر الدولة تعبئتها، وبيعت في المتاجر وعلى الأرصفة بضعفي سعرها الرسمي، فيما زاد الإقبال على شراء الصحون والأكواب الورقية التي تستخدم مرة واحدة، وكذلك الأوعية البلاستيكية، مع ارتفاع كبير في أسعارها. كذلك تلقف الفرصة فتية «عربات الجر» الذين انقطع رزقهم بعد إغلاق معبر بستان القصر، فتحولوا إلى نقل براميل الماء الصغيرة والأوعية البلاستيكية مقابل أجور عالية. وسارع العديد من أصحاب المنشآت التي تحتوي على آبار الى مد خراطيم لسحب المياه إلى البيوت، وبيع البرميل الواحد (200 ليتر) بـ 2000 ليرة سورية.
إلى ذلك، أغلق بعض أصحاب المطاعم والمقاهي دورات المياه في منشآتهم. شحّ المياه جعل بعض المقاهي الشعبية تعتذر عن عدم تقديم أكثر من كأس ماء واحدة، وسارع بعضها إلى وضع عبوة مياه معلبة بضعفي ثمن فنجان القهوة. «الكسب السريع» لم يقتصر على التجار، فسائقو صهاريج المياه العامة والخاصة أصبحت «نجوميتهم» في الشارع تضاهي نجومية باعة أسطوانات الغاز المنزلي.