لا تبدو الأزمة المستجدّة بين الإمارات وإسرائيل، على خلفية تجميد وزارة البيئة الإسرائيلية اتفاقية نقل النفط الإماراتي من خليج إيلات في البحر الأحمر، إلى ميناء عسقلان على البحر المتوسّط، بعيدة من احتمالات التعقيد، لكن المرجّح أن يستطيع الطرفان تجاوُزها في نهاية المطاف. إذ ستكون تل أبيب معنيّة باحتواء الخلاف عبر تسوية ما، تتيح لها الاستفادة على مستويين: الإبقاء على جزء من الاقتصاد الإماراتي مربوطاً بمصالحها المباشرة؛ وعدم الإضرار بمسارات النفط التقليدية في المنطقة، والتي تحرص إسرائيل على أن لا تزعج عبر مخالفتها أيّ حليف أو شريك آخر، خصوصاً أن الخطّ الجديد كان سيشكّل، بالنسبة إلى الكيان العبري، بديلاً لقناة السويس، وإن نسبياً، عبر ربط الاقتصاد الإسرائيلي بقطاع النفط العالمي مباشرة، وفقاً لـ«فلسفة» إنشاء هذا الخطّ، في القرن الماضي، بمعيّة شاه إيران، رضا بهلوي. وكانت أبو ظبي وتل أبيب حافظتا على إبقاء الاتفاقية بعيدة من الإعلام، إلى أن بادرت الأخيرة إلى كشْفها، ليتبيّن أن وراءها دوافع وفيها فوائد لكلا الطرفين، وإن متفاوتة. إذ يُغلّب الجانب الإماراتي دافع تعزيز النظام وإدخال إسرائيل في مكوّنات تثبيته، بينما يمكن حصْر الفائدة لدى الجانب الإسرائيلي في اتجاه واحد. أمّا قرار تل أبيب تجميد العمل بالاتفاقية، فيستبطن أيضاً الكثير من الفرص، في مقابل صفر تهديدات. ولتوضيح الصورة، يمكن إيجاز ما يلي:
- شركة «خطّ أنابيب آسيا - أوروبا»، هي شركة أنشئت في ستينيات القرن الماضي، ضمن محاولة طموحة من إسرائيل وحليفتها في حينه، إيران الشاه، لإيجاد بدائل استراتيجية من قناة السويس لإنعاش الاقتصاد الإسرائيلي وعدم حصره بطُرق مرهونة لأعدائها، وذلك عبر ربط البحر الأحمر بالبحر المتوسّط، في مسارات مسيطَر عليها بالكامل. وفي الوقت نفسه، هدفت إسرائيل إلى خلْق حالة منافِسة للقناة على مستوى دولي، وإن كان الرهان على فاعلية هذه الأنابيب وإمكاناتها محدوداً نسبياً، بما كاد ينحصر في حينه بالنفط الإيراني، وكيفية إيصاله إلى أوروبا عبر الأراضي الإسرائيلية. مع هذا، حافظت إسرائيل على الخطّ بعد سقوط الشاه، وواصلت العمل على استغلاله وإن بمستويات أقلّ، بخاصّة مع سقوط النظام المصري في مسار التسوية، وانتفاء صفة التهديد عن «السويس».
- بطول 254 كيلومتراً وقطر 42 إنشاً، كان يمكن خط إيلات - عسقلان نقل ما يصل إلى 1.6 مليون برميل من النفط في الاتجاهين (1.2 مليون من إيلات إلى عسقلان، في مقابل 400 ألف برميل من عسقلان إلى إيلات). وهكذا، وضعت الاتفاقية الإسرائيلية - الإماراتية نفط الإمارات في مكانة نفط إيران الشاه، مع فائدة لتل أبيب يصعب حصرها، لا سيما أن من شأن المشروع أن يزيد من الأهمية الاستراتيجية والجيوسياسية لإسرائيل، بعد أن تصبح معبراً لنقل الطاقة مع عوائد اقتصادية مالية كبيرة نسبياً، بينما تكاد تكون أيضاً واحداً من منابع الطاقة، ربطاً بالغاز الإسرائيلي الذي تعمل على جعله جزءاً لا يتجزّأ من المصالح الأوروبية والغربية.
كان يمكن خط إيلات - عسقلان نقل ما يصل إلى 1.6 مليون برميل من النفط في الاتجاهين


- من ناحية الإمارات، تستفيد الأخيرة من ربط إسرائيل ومصالحها المباشرة بها، مع ما يعنيه ذلك من تثبيت لنظام أبو ظبي. أيضاً، ثمّة فائدة أخرى متمثّلة في إيجاد طرق مغايرة لتلك التقليدية لنقل النفط من الإمارات، من دون التقيّد بخيارات أحادية تحدّ من قدرة أبو ظبي على التملُّص من التبعية الإقليمية التي تسعى إلى الانفلات منها.
إذاً، من ناحية إسرائيل، الفائدة اقتصادية - سياسية، مع تحسين المكانة الدولية والأهمية الجيوسياسية لمعبر النفط الإسرائيلي، وهو ما يشجّع دولاً ومنابع طاقة أخرى على اللجوء إليه، ليس لأهداف اقتصادية فحسب، بل لمصلحة بقاء هذه الأنظمة. لكن، إذا كانت الحال كذلك، فلماذا يتمّ تجميد المشروع؟ الاتفاقية مع الإمارات «جرت في ليل»، كون رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق، بنيامين نتنياهو، امتهن حصْر الفائدة بشخصه، وعمد إلى إبعاد الجميع عن اتفاقيات «أبراهام»، فتجاوز محطّات قانونية كثيرة كان عليه الالتفات إليها، ومن بينها النواحي البيئية لعمليات النقل، والتي يُلزم القانون الإسرائيلي بعدم تخطّيها. وهذه الحيثية هي التي عملت عليها منظّمات بيئية لديها مواقف سلبية مسبقة من عمليات نقل النفط وأضراره على البيئة، من دون أيّ علاقة للإمارات أو أيّ مركّب من مركّبات العلاقات الخارجية لإسرائيل. ووفقاً لآليات القضاء الإسرائيلي، حيث مصلحة الاعتراض متاحة وفضفاضة جداً، تمكّنت تلك المنظّمات من تجميد العمل بالاتفاقية وجعلها مادّة نزاع قضائي، في خطوةٍ تساوقت معها وزارة البئية التي يسيطر عليها حزب «ميرتس» اليساري المؤتلف في الحكومة الحالية. وتتحدّد النتيجة وفق مسارات قد تطول أو تقصر، بما يرتبط بمصلحة إسرائيل الرسمية التي قد تجد أن المسارعة إلى إيجاد حلول مع الجانب الإماراتي ليس بالضرورة حاجة ملحّة في المرحلة الحالية، في انتظار عروض الآخرين. وسواء كان وقف العمل بالاتفاقية، والذي يُعدّ، حتى الآن، تجميداً لا إلغاء إلى حين البتّ بها لاحقاً، مبنياً على عادة إسرائيلية داخلية في مناكفة واعتراض أيّ شيء، أو على حاجة إلى تظهير تلهُّف أبو ظبي على الاتفاق مع تل أبيب، أو ربّما وجود عروض أخرى ما زالت تتبلور لتكون بديلة من العرض الإماراتي، أو محاولة إسرائيل نفسها استدراج عروض من هذا القبيل عبر عملية التجميد، فإن المؤكد أن «مصلحة السلاحف» والحفاظ على بيئة مناسبة لتناسلها، ليس السبب الحقيقي وراء خطوة حكومة بينت.