الحملة الشرسة التي انطلقت ضدّ اللاعب الجزائري بسبب تضامنه الواضح مع الشعب الفلسطيني ليست جديدة، لكنها تلقي الضوء على مجموعة من الإشكاليات. فخلال الحراك الشعبي ضدّ النظام الجزائري، ارتفعت أصوات من داخل التيار البربري المتطرّف والليبرالي، تستنكر كثرة الأعلام الفلسطينية والشعارات المؤيّدة لفلسطين في التظاهرات الضخمة التي أدت إلى إزاحة الرئيس الجزائري السابق ورجالاته. وفي محاولة لعدم استفزاز الرأي العام الجزائري الداعم بقوّة للفلسطينيين نتيجةً لموروث بنيوي وازن ما زال يحكم الرؤى السياسية السائدة، تلطّت هذه الأصوات خلف شعار «الجزائر أولاً». وهي رأت أن القضية الفلسطينية لا مكان لها في معركة مع النظام، تماماً كما تجاهلت المطالب الاجتماعية للفئات الشعبية، والتي لم تكن واردة أصلاً على جدول أعمالها. وقد كشفت هذه التطوّرات الموقع الهامّ الذي تحتلّه الطبقات الوسطى المؤيّدة للغرب في البنية الاجتماعية للحراك.
الحملة الشرسة التي انطلقت ضدّ اللاعب الجزائري بسبب تضامنه الواضح مع الشعب الفلسطيني ليست جديدة
وإذ يفضّل بعض هؤلاء، اليوم، لأسباب تكتيكية، عدم الإدلاء برأيه، فإن بعضهم الآخر، مثل فريد عليلات، يجهر به بصراحة. هذا الصحافي العامل في الأسبوعية الصادرة بالفرنسية، والقريبة من النظام المغربي، «جون أفريك»، والمدير السابق ليومية «ليبرتي» الجزائرية، التي يملكها الملياردير يسعد رباب، المعروف بارتباطاته بالفرنسيين، قال، متوجّهاً لنورين، على صفحته في «فايسبوك»: «لا أعرف أيها الشاب كيف ستساعد من خلال موقفك القضية الفلسطينية. كان عليك المشاركة وهزيمة اللاعب الإسرائيلي أو الانحناء بشرف إذا هُزمت». أمّا هند تمينجوت، الناشطة البارزة في الحراك منذ بداياته، والمساهمة في تنظيم مسيراته الكبرى، فهي فضّلت التنديد بفعل «غير مفهوم وغير منطقي». «هو كان يعرف سلفاً أنه سيشارك في مباريات رياضية دولية يتواجد فيها إسرائيليون»، وفقاً لتعبيرها في مكالمة هاتفية مع «الأخبار». وفي الإتجاه نفسه، يرى المحامي والناشط الحقوقي، عبد المؤمن شادي، من جهته، أن «تصرّف المصارع الجزائري غير احترافي بالمرّة، لأنه كان يعلم، كما كانت تعلم السلطات الجزائرية، أنهم بصدد المشاركة في حدث رياضي عالمي تشارك فيه إسرائيل بانتظام». وأضاف أن «هذا الخلط بين السياسة والرياضة غير مقبول إطلاقاً. وحتى على المستوى السياسي الرسمي، فالجزائر صادقت على العديد من المعاهدات الدولية متعدّدة الأطراف التي ضمّت إسرائيل، مثل العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على سبيل المثال لا الحصر».
على شبكات التواصل الاجتماعي، تدفّقت التعليقات التي تتذرّع بـ«الروحية الأولمبية» للتهجّم على الخطوة الشجاعة التي اتّخذها نورين. تُظهر تلك التعليقات قوّة «الرأسمال الرمزي» للرياضة باعتبارها «فضاءً اجتماعياً مسالماً وبعيداً عن التسييس». هذه المقاربة تتعامى عن المفارقة الكامنة في الممارسات الرياضية بين كونها نشاطاً ترفيهياً على المستوى الكوني، وبين الروح القومية التي تتجلّى خلال المهرجانات الرياضية الدولية. هي تتجاهل عمداً، كذلك، أن الممارسة الرياضية لا تستطيع أن تَتحرّر تماماً من الاستراتيجيات الدعائية للدول، والتي تستغلّها لتعزيز صورتها على النطاق العالمي. كان للرياضة دائماً دوراً في تحسين السمعة الدولية لأيّ دولة من الدول، ووُظّفت باستمرار كمورد سياسي. أيام نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، كانت أداة للعديد من البلدان لممارسة ضغوط خارجية عليه. وكان لهذه الضغوط تأثيراً كبيراً، لأنها شكّلت جزءاً من جهد جماعي، لا مبادرات فردية للاعبين قد تحظى بتشجيع من قِبَل اتّحاداتهم، لكن ستترتّب عليها نتائج عليهم كأفراد. يعتقد البعض حالياً أن قرار نورين لا قيمة له ولن يخدم القضية. في الواقع، فإن هذا الخطاب يندرج في إطار مسعًى أيديولوجي لتبرير التطبيع مع إسرائيل، على الضدّ ممّا تقوم به حملة المقاطعة من إنشاء لمجموعات عمل تتصدّى للتطبيع الرياضي، وتعمل على تعبئة الرأي العام ضدّ السياسة الإجرامية الإسرائيلية.