لا تزال السعودية تُواجه الكثير من التحدّيات في إدارة ملفّ القوى اليمنية الموالية للتحالف الذي تقوده، والمتمثّلة بشكل رئيس في حكومة عبد ربه منصور هادي الموالية لها، و"المجلس الانتقالي الجنوبي" الموالي للإمارات. وفي أحدث جولات الصراع بين الطرفين، ينوي رئيس برلمان ما يُسمّى "الشرعية"، سلطان البركاني، الذي وصل الثلاثاء الفائت إلى مدينة سيئون (ثاني أكبر مدن محافظة حضرموت)، برفقة هيئة الرئاسة وعدد من النواب، استئناف جلسات المجلس المتعثّر انعقادها، منذ الجلسة اليتيمة في نيسان 2019، والتي شهدت انتخاب هيئة رئاسة جديدة للبرلمان. وذكرت وكالة "سبأ" التابعة لحكومة هادي أن الهيئة المذكورة ناقشت، في اجتماع الأربعاء برئاسة البركاني، الترتيبات اللازمة لانعقاد المجلس في سيئون في أقرب وقت ممكن، على أن تعمل خلال الأسابيع المقبلة على توفير الظروف الملائمة للانعقاد.إزاء ذلك، بدأ "الانتقالي"، ومِن خلفه الإمارات، وضْع العراقيل في طريق وصول البركاني إلى سيئون، عبر الدعوة إلى احتجاجات شعبية مناوئة له. وتعهّد المجلس، الخميس، بمنع عقد أيّ اجتماعات للبرلمان الموالي لهادي في حضرموت، بعدما قرّرت هيئة رئاسة الأخير الانعقاد عقب إجازة عيد الأضحى. وهدّد رئيس "الجمعية العامة للانتقالي"، أحمد بن بريك، بـ"(أنّنا) سنزلزل الوادي وسيئون تحت أقدام الأقزام مِمَّن باعوا مأرب، ويريدون أن يشرعنوا أنفسهم في أرض الجنوب". وفي ردّ على تلك التهديدات، حطّ البركاني، الخميس، في مدينة المكلا، مركز محافظة حضرموت، والذي يُعتبر أحد أهمّ معاقل "الانتقالي" في المحافظات الشرقية، ليكتب على صفحته في "فيس بوك": "تحيّة إجلال وإكبار إلى أبناء حضرموت التي نصل الآن إلى عاصمتها المكلا، وسنسعد برؤية رجالها وقياداتها وتفقّد أحوالها".
في خلفية ذلك، يبدو أن السعودية تستمرّ في تصعيد مواقفها بوجه "الانتقالي"، الذي تتّهمه باتّخاذ قرارات أحادية الجانب، خلافاً لما ينصّ عليه "اتفاق الرياض". وفي هذا الإطار، يأتي تحريك ملفّ "برلمان الشرعية"، من خلال تفعيله على الأراضي الجنوبية، ردّاً على فشل المفاوضات في شأن تطبيق الشقّ العسكري من "اتفاق الرياض"، ولا سيما في ما يتعلّق بدمج الفصائل المحسوبة على الإمارات في وزارتَي الدفاع والداخلية. وكان وفد "الانتقالي"، الموجود في العاصمة السعودية، غادر إلى دولة الإمارات، من دون التوصّل إلى اتفاق مع حكومة هادي، التي لم يتمكّن رئيسها معين عبد الملك وأكثرية وزرائه من العودة إلى عدن منذ أشهر، بسبب المخاوف الأمنية. وفي سياق المخاوف نفسها، جاء اختيار مدينة سيئون كمكان لانعقاد المجلس، باعتبارها المنطقة الوحيدة في الجنوب التي لا توجد فيها تشكيلات موالية للإمارات، وتتموضع فيها "المنطقة العسكرية الأولى" التابعة لهادي.
بدأ «الانتقالي» ومِن خلفه الإمارات وضْع العراقيل في طريق وصول البركاني إلى سيئون


وكان "برلمان الشرعية" استطاع، بعد شدّ وجذب، في منتصف نيسان 2019، عقد جلساته في سيئون، حيث انتخب البركاني رئيساً له، إضافة إلى ثلاثة نوّاب للرئيس هم محسن باصرة، ومحمد الشدادي، وعبد العزيز جباري. وعلى رغم انعقاد البرلمان، إلا أن جلساته لم تتجاوز الستّ فقط في دورة انعقاد استثنائية، جرى رفعها بصورة مفاجئة، ما ألقى بظلال كثيفة من الشكّ حول إمكانية عودته إلى الانعقاد مجدّداً. واعتبرت حكومة الإنقاذ في صنعاء، في حينه، اجتماع المجلس في سيئون "خيانة عظمى"، معتبرة أن لها الحق في "اتخاذ الإجراءات اللازمة وتطبيق أحكام الدستور والقانون، ومنها المادة 125 من القانون الجزائي في حقّ كلّ من ثَبتت مشاركته في التشريع للعدوان". وبالفعل، أجرت "الإنقاذ"، عام 2019، انتخابات تكميلية للمقاعد الشاغرة في مناطق سيطرتها (أمانة العاصمة، ذمار، حجة، صعدة)، وبعض الدوائر الانتخابية في تعز والبيضاء والجوف، بما وصل مجموعه إلى 24 دائرة انتخابية. وقد نجحت، بذلك، في سحب البساط من تحت مجلس النواب الموالي لهادي، الذي لم يستطع العودة إلى الانعقاد مذّاك.
تجدر الإشارة إلى أن البرلمان اليمني يتشكّل من الغرفة التشريعية الأولى ممُثّلة في مجلس النواب، ومجلس الشورى الذي يُعدّ الغرفة التشريعية الثانية. ويتكوّن مجلس النواب من 300 عضو وواحد منتخَبين بالاقتراع السرّي المباشر. وقد مضى على نسخته الحالية ما يقارب 16 سنة، حيث كان مقرّراً انتهاء ولايتها في 27 نيسان 2009، إلّا أنه جرى التمديد لها لعامين إضافيين بالتوافق بين القوى السياسية الرئيسة يومها. لكن أحداث عام 2011 حالت، هي الأخرى، دون إجراء الانتخابات، ليتمّ التمديد لمجلس النواب مرّة أخرى بموجب "المبادرة الخليجية" لمدّة عامين إضافيين انتهيا عام 2013، فيما لا يزال المجلس قائماً حتى الآن.


اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا