من ضمن التحوّلات السعودية الإقلاع عن سياسة مناكفة "الشقيق" العُماني وتقويض نفوذه
وبالعودة إلى مسقط، قد يُمثّل توثيق العلاقة بينها وبين الرياض، هديّة اقتصادية للأولى التي تُكافح لتنويع مصادرها بعيداً من النفط. وفي المقابل، يبدو أن الجانب العُماني بدأ يأخذ المخاوف السعودية على محمل الجدّ، مُحاوِلاً حثّ قيادة صنعاء، وكذلك الأطراف الصديقة، على تقديم ضمانات تراها المملكة ضرورية لها، خصوصاً بعدما وقف بنفسه على عمق الأزمة السعودية في اليمن، والتي لم يكن، على ما يظهر، مدركاً تعقيداتها كافّة. وعليه، ليس من قبيل الصدفة أن يتمّ إيقاف الاعتصام الذي كان يُنظّم أسبوعياً في المهرة، احتجاجاً على التدخّلات السعودية في المحافظة، واحتلالها المنافذ البرّية والبحرية والجوّية فيها. صحيح أن "قمّة العلا" التي انعقدت بداية العام الجاري، ودشنّت المصالحة بين السعودية وقطر، ساهمت في توقّف حركة الاحتجاجات الشعبية الرافضة للاحتلال السعودي، ولا سيما أن القيادة الميدانية للاعتصام كانت تتلقّى تمويلاً من الدوحة، لكن العامل الآخر، الذي لا يقلّ أهمّية عن الأوّل، في قطع سبحة تلك الحركة، هو تقلّد ابن طارق مقاليد الحُكم في عُمان.
وكانت السعودية أدارت، منذ عام 2017، برنامجاً عسكرياً وأمنياً في محافظة المهرة، يستهدف تثبيت قدم لها هناك، وفي المقابل تقويض النفوذ العُماني التاريخي في ما تَعدُّها السلطنة "حديقتها الخلفية"، والتي رسّخت نفسها فيها من خلال سلسلة من التقديمات الخدمية والاجتماعية، مِن مِثل الربط الكهربائي والتعليم والخدمات الصحّية، بالإضافة إلى منح الجنسية العُمانية لفئات واسعة من القبائل والشرائح الاجتماعية، فضلاً عن التسهيلات التي تقدّمها عُمان لـ"المهريين" الراغبين في زيارة أراضيها. وبينما ادّعت السعودية أن احتلالها للمنافذ البرّية والبحرية والجوّية في المهرة استهدف منْع التهريب (السلاح والذخيرة) إلى الأراضي اليمنية، إلّا أنها في الحقيقة سعت إلى خدمة أجندتها المتمثّلة في تعبيد الطريق أمام الاستغناء عن مضيق هرمز، من خلال مدّ أنبوب نفطي عبر هذه المحافظة إلى بحر العرب. وفي نهاية المطاف، تمكّنت المملكة، بالفعل، من خلْق مساحة نفوذ واسعة لها في المهرة، من خلال احتلالها المواقع والمنشآت السيادية في المحافظة (مطار الغيضة، ميناء نشطون، معبرا صرفيت وشحن). كما تمكّنت من تجنيد الآلاف من أبناء المحافظة أو القاطنين فيها للعمل معها برواتب مغرية، ووزّعتهم على المعسكرات والمنشآت والمنافذ ونقاط التفتيش الخاضعة لسيطرتها. مع ذلك، بقي موقف السلطنة المحايد من الحرب على اليمن على حاله، توازياً مع استمرار استجاباتها لأيّ طلبات توسيط دولية تُوجّه إليها، وآخرها عندما زار وفد سلطاني منها، بموافقة سعودية وتزكية أميركية، صنعاء الشهر الماضي، واستحصل على تجديد التفويض من قِبَل قيادة "أنصار الله" على إدارة عملية التفاوض مع الرياض. والجدير ذكره، هنا، أن مسقط تستضيف رئيس وفد صنعاء التفاوضي وأعضاءه ومسؤولين آخرين منذ بداية عام 2015. وفي حين تمنع ضيوفها كافة من تعاطي أنشطة سياسية وإعلامية، إلّا أنها تُوفّر مجالاً واسعاً لوفد صنعاء لممارسة أنشطة من هذا النوع.