غزة | على رغم مرور أكثر من ستّ سنوات على حرب عام 2014، لم تتلقَّ عائلات الشهداء المدنيين في تلك الحرب الرواتب المخصّصة لها، بوصفها من الأسر الفاقدة معيلها، والتي أقرّ القانون الأساسي لـ"منظّمة التحرير الفلسطينية" عام 1965 رواتب ثابتة لها، ظلّت تُصرَف منذ ذلك العام، قبل أن تتوقّف السلطة عن صرفها، مُتحجّجة بظروف الانقسام تارة، وبالضائقة المالية تارة أخرى. بصوته الخافت الذي بدا أن التعب قد نال منه، أكد محمد بكر، وهو صيّاد ووالد لأربعة شهداء في حرب 2014، أنه مستمرّ في اعتصامه حتى الموت أو حلّ قضيته. فقَد بكر مركبه الذي تعتاش منه أسرته المكوّنة من 24 شخصاً، بعد سنوات من استشهاد أبنائه الأربعة، الذين لم يتلقّ ما يستحقّه من رواتب كونه أباً لهم. لكنه ليس إلّا واحداً من العشرات من ذوي شهداء حرب 2014، الذين يواصلون اعتصامهم المفتوح أمام مقرّ "مؤسّسة رعاية أسر الشهداء والجرحى" التابعة لـ"منظّمة التحرير"، منذ 27 يوماً. قضية هؤلاء، الذين أضرب 14 مسنّاً منهم عن الطعام منذ أربعة أيام، بدأت عقب استشهاد أبنائهم في الحرب، واتّباعهم بروتوكولاً معمولاً به منذ سنوات، يبدأ بتسجيل بيانات الشهداء، ثمّ بعد عدة شهور، تبدأ عائلات الشهداء التي فقدت معيلها بتلقّي مخصّص مالي شهري يوفّر لها الحدّ الأدنى من المتطلّبات الحياتية. لكن، منذ نهاية الحرب، تُواصل السلطة مماطلتها في إنهاء ملفّهم.يوضح ماهر بدوي، وهو الأمين العام لـ"اللجنة الوطنية لأهالي الشهداء"، أن عدد عوائل الشهداء التي ترفض السلطة صرف رواتبها يبلغ 1833 أسرة. ويقول في حديثه إلى "الأخبار": "منذ سنوات، ونحن نتلقّى وعوداً بصرف الرواتب أسوة ببقية عائلات الشهداء، إلّا أن مؤسسة رعاية أسر الشهداء والجرحى تتنصّل من التزامها، بذريعة الانقسام والضائقة المالية". ويضيف الرجل، وهو والد شهيد: "تَوجّهنا إلى كلّ السلطات في رام الله وغزة بضرورة إنهاء الأزمة، لأن عائلات الشهداء التي فقدت معيلها لا تملك اليوم قوت يومها، إلّا أننا لا نلمس أيّ خطوات عملية، حتى إن أحد المسؤولين في رام الله قال لنا: من بدأ الحرب في عام 2014 هو المسؤول عن صرف مستحقّات أبنائكم". ومنذ عام 1965، كان زعيم "منظّمة التحرير" آنذاك، الراحل ياسر عرفات، قد أقرّ "قانون رعاية أسر الشهداء والجرحى"، عبر صرف رواتب شهرية تُوفّر الحدّ الأدنى من الحياة الكريمة لعائلات الشهداء، بما لا تتجاوز قيمته الـ430 دولاراً. وبقي هذا التقليد سارياً حتى عام 2014، حيث سلكت السلطة نهجاً مغايراً، بادئةً بقطع رواتب بعض الأسر، وممتنعةً عن إدراج أسر جديدة ضمن قوائم المستفيدين، ناهيك عن إصدار عباس قراراً بحلّ "التجمّع الوطني لأسر الشهداء"، والذي كان يمثّل النقابة التي تطالب بحقوق تلك الشريحة. ووفق ما ينقله أهالي الشهداء عن انتصار الوزير، وهي مديرة "مؤسّسة رعاية الشهداء والجرحى"، فإن رئيس السلطة هو وحده مَن يمتلك قرار إنهاء القضية.
عدد عوائل الشهداء التي ترفض السلطة صرف رواتبها يبلغ 1833 أسرة


محمود شلدان هو واحد من الآباء المضربين عن الطعام، الذين قطعت السلطة رواتبهم عام 2009. يقول الرجل الذي تُظهر ملامحه أنه تجاوز السبعين عاماً من العمر، لـ"الأخبار"، إنه تفاجأ وعائلته المكوّنة من أربعة أشخاص بأن سبب المنع هو تقرير أمني، وإنه لم يحصل حتى اللحظة على أيّ توضيح من "مؤسسة الشهداء" عن ما يعنيه "المنع الأمني". أمّا أم علي القايض، وهي والدة لثلاثة شهداء قضوا عام 2014، فقد لجأت إلى خيمة الاعتصام منذ أسابيع، هرباً من أطفالها الذين لا تستطيع مواجهتهم بعجزها عن تأمين حاجاتهم من الملابس والطعام. تلفت، في حديثها إلى "الأخبار"، إلى أن "زوجي مسنّ ومصاب بمرضَي القلب والسرطان، وأعيل وحدي عائلة مكوّنة من تسعة أشخاص"، مضيفة أنها "ملاحَقة بقدر كبير من الديون". وتتابع والدة الشهداء الثلاثة: "بَوجّه ندائي لكلّ الفصائل والشخصيات الرسمية، بقول عيب عليكم تاركينا في الشارع منذ قرابة شهر دون أن يلتفت لقضيتنا أحد، هكذا تكرموا الشهداء، بهذه الطريقة تطببون جراحنا؟".
بدوره، يحمّل علاء البرواي، وهو المتحدّث باسم عائلات الشهداء، مسؤولية أيّ أذى يتعرّض له الآباء المسنّون الذين يواصلون إضرابهم عن الطعام وشرب الماء منذ 4 أيام، للقيادة الفلسطينية وقادة العمل الوطني، مشيراً إلى أنهم أرسلوا مطالبات بحلّ قضيتهم إلى أعضاء "اللجنة المركزية لحركة فتح" كافة، وإلى قيادات الفصائل الفلسطينية، فيما لم يتلقّوا حتى اللحظة أيّ وعود بإنهاء أزمتهم. وفي هذا الإطار، يكشف عضو المكتب السياسي لـ"الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين"، محمد الغول، أن "لجنة المتابعة في القوى الوطنية والإسلامية" تواصلت مع رئيس الحكومة في رام الله، محمد اشتية، وأرسلت مذكّرة إلى مديرة "مؤسسة الشهداء والجرحى"، وطالبتهما بتحمّل مسؤولياتهما تجاه عائلات الشهداء.

(الأخبار)


(الأخبار)


(الأخبار)


(الأخبار)


(الأخبار)