بعد تجميده لأكثر من عام إثر إعادة رام الله علاقاتها الأمنية مع دولة الاحتلال، قرّرت الحكومة الإسرائيلية الجديدة استئناف الاقتطاع من أموال الضرائب الخاصة بالسلطة الفلسطينية، بأثر رجعي، فيما لم تجرؤ الأخيرة على أيّ اعتراض، مُكتفيةً بالتلويح بأن هذه الخطوة ستُدخل السلطة في أزمة مالية جديدة، علماً أن مصادرها تؤكد أنها لن تمتنع عن تسلّم الأموال منقوصةً، كما حدث في السابق. وقرّر المجلس الوزاري المصغّر لحكومة الاحتلال، "الكابينت"، أوّل من أمس، خصم 597 مليون شيكل، أي ما يعادل 183 مليون دولار، بحجّة دفع السلطة رواتب الأسرى وعائلات الشهداء عام 2020. وتَستخدم إسرائيل المقاصّة كأداة لمعاقبة السلطة بين الفينة والأخرى، إذ تُعتبر الجولة الحالية هي العاشرة خلال سنوات، علماً أن الأزمة بدأت بالاشتداد عام 2015، عندما قرّرت سلطات العدو تجميد الأموال الفلسطينية لمدّة أربعة أشهر، كعقوبة على انضمام السلطة إلى "المحكمة الجنائية الدولية" وتوقيعها "ميثاق روما"، الأمر الذي دفع رام الله إلى الاقتراض من البنوك لسدّ العجز الحاصل في نفقاتها، وصرف أنصاف رواتب لموظّفي القطاع العام، إلى حين الإفراج عن إيرادات المقاصّة.وبموجب "بروتوكول باريس الاقتصادي"، المُوقَّع بين "منظّمة التحرير الفلسطينية" وإسرائيل (1994)، تقوم الأخيرة بجمع الضرائب على البضائع التي تمرّ عبر معابرها إلى الأراضي الفلسطينية، وتُحوّلها شهرياً إلى السلطة. وفي عام 2019، تَفجّرت أزمة المقاصّة مرّتين، بعدما قرّرت حكومة الاحتلال، مطلع العام، احتجاز مبلغ 502 مليون شيكل (138 مليون دولار) من تحويلات الضرائب المستحقّة للسلطة، بذريعة دفع الأخيرة رواتب لعائلات الأسرى والشهداء، لترفض رام الله تسلّم باقي الأموال لمدّة 7 أشهر، وتُصرّ على تسلّمها كاملة، قبل أن تعود بعدها إلى تسلّمها من دون استجابة تل أبيب لما طلبت. بعدها بعدّة أشهر، وتحديداً في تموز 2020، عادت السلطة لترفض اقتطاع جزء من أموالها، توازياً مع إعلانها قطْع علاقاتها السياسية والأمنية مع دولة الاحتلال على خلفية خطّة ضمّ الضفة الغربية المدعومة من إدارة الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب. لكن بعد ثلاثة أشهر من ذلك، وتحديداً في أعقاب خسارة ترامب الانتخابات الرئاسية الأميركية، أعادت السلطة علاقاتها مع العدو، واستأنفت تسلّم الأموال مقتَطعةً منها 51 مليون دولار شهرياً، في ما سُوّق على أنه بادرة تجاه الرئيس الأميركي الجديد، جو بايدن، لاستئناف "عملية السلام" في الأراضي الفلسطينية. وعلى إثر تلك البادرة، قرّرت حكومة الاحتلال السابقة تجميد الخصم عن عام 2020، لتعود الحكومة الجديدة وتَفكّ التجميد وتبدأ بخصم 51 مليون شيكل من أموال المقاصّة شهرياً.
لا تنوي رام الله وقف تسلّم أموال المقاصّة كما حدث في الأعوام الماضية


ووصف رئيس الوزراء الفلسطيني، محمد اشتية، القرار الإسرائيلي الأخير بأنه "غير قانوني، ومتنافٍ مع الاتفاقيات الموقّعة، ويشكّل انتهاكاً للقوانين الدولية"، مطالباً "دول العالم بالتدخّل لوقف تلك الاقتطاعات الجائرة"، كاشفاً أن "مجموع ما خصمته إسرائيل بسبب التزامنا تجاه الأسرى والشهداء منذ عام 2019 وحتى اليوم، يبلغ حوالى 851 مليون شيكل، والآن سيتمّ اقتطاع 51 مليون شيكل شهرياً". وأشار اشتية إلى أن "هذا الأمر يضعنا في موقف مالي صعب، وخاصة أن أموال المانحين لم يُصرَف منها شيء هذا العام". لكنّ مصدراً في السلطة كشف، لـ"الأخبار"، أن رام الله لا تنوي وقف تسلّم أموال المقاصّة كما حدث في الأعوام الماضية، بالنظر إلى أنها تعيش أزمة اقتصادية تشكّل خطراً على استمراريّتها، لافتاً إلى وجود قرار من الرئيس محمود عباس بالتعايش مع الحالة الجديدة، والبحث عن بدائل من الدول المانحة لتجاوز الأزمة. واستدرك بأن اقتطاع الأموال قد يولّد مشكلة كبيرة للسلطة خلال الفترة المقبلة، مشيراً إلى أن رام الله ستبعث برسائل إلى الإدارة الأميركية الجديدة تطالبها فيها بإيجاد حلّ لهذه المشكلة التي تهدّد بقاء السلطة في ظلّ تَفجّر الأوضاع في الأراضي الفلسطينية وخاصة في الضفة الغربية، وتُقلّص قدرتها على السيطرة ومنْع اندلاع انتفاضة فلسطينية جديدة.