رام الله | موجة قمع جديدة تعرّض لها نشطاء وأسرى محرَّرون ونخب في رام الله، على يد أمن السلطة الفلسطينية، الذي يستمرّ في محاولاته الهادفة إلى ردع واجتثاث الحراك الشعبي الداعي إلى محاسبة المتورّطين في اغتيال الناشط نزار بنات، والمسؤولين عن استمرار القمع والاعتقالات. وعلى رغم إطلاق سراح غالبية المعتقلين، خلال الساعات الـ48 الأخيرة، حفرت مشاهد التنكيل والاعتقال عميقاً في ذاكرة الرأي العام، وسط استنكار واسع، ومطالبات للسلطة بالتوقّف عن انتهاك التجمّعات السلمية. وبدأت موجة القمع الأخيرة، أوّل من أمس، عندما حضرت قوات أمن السلطة إلى محيط دوّار المنارة، وانتشرت قوة كبيرة من الشرطة في المكان المقرَّر تنظيم وقفة شعبية فيه، قبل انطلاقها بنحو نصف ساعة. وانبرت عناصر الأمن للتدقيق في بطاقات هوية المارّة، واعتقال الواردة أسماؤهم على لائحة بحوزتها، في مشهد لم تألفه الضفة الغربية إلّا على الحواجز الإسرائيلية. وهكذا، ضمِنت السلطة تفريق الوقفة قبيل انطلاقها، بعدما حظرت مجرّد الوقوف على دوّار المنارة، وتحديداً الموقع الذي تُقام فيه الفعاليات والتظاهرات. وبلغت حصيلة الاعتقالات المباشرة نحو ثمانية، فيما لاحقت قوات الأمن آخرين إلى أماكن قريبة، واقتادتهم إلى مراكزها، ومن بين هؤلاء: عضو «التجمّع الديموقراطي» عمر عساف؛ الأسير المحرّر أبي العابودي؛ الناشط تيسير علي وهو شقيق الشهيد القائد أبو علي مصطفى؛ الباحث خالد عودة الله، وغيرهم.إذاً، انتهت الوقفة الجماهيرية قبل أن تبدأ، لتتّجه الأنظار نحو مكان آخر، هو مركز توقيف شرطة حي البالوع في البيرة، حيث بدأت الكاتبة هند شريدة اعتصاماً برفقة عائلتها، للمطالبة بالإفراج عن زوجها، أبي العابودي، قبل أن تنضمّ إليها مجموعة من الناشطين والأسرى المحرَّرين، فيما حضر صحافيون لتغطية الحدث. وسرعان ما توسّع الاعتصام، لتُمهل الشرطة المعتصمين 10 دقائق فقط لمغادرة المكان طوعاً، قبل أن تبدأ هجومها عليهم عبر الاستعانة بعناصر من النساء. هجوم وصفه المعتصمون بـ«الوحشي»، قائلين إنهم «لم يشهدوا مثيلاً له من قبل»، خصوصاً أنه أسفر عن اعتقال كثيرين، من بينهم: هند شريدة، ونجلاء عمر عساف، والصحافي محمد حمايل، والأسيرة المحرَّرة مَيْس أبو غوش، والناشطة المرشَّحة لـ«التشريعي» إسلام الفايز. كذلك، أعلنت العضو في مجموعة «محامون من أجل العدالة»، ديالا عايش، أن قوّة من الشرطة اعتقلتها خلال وجودها في مكان الاعتصام لتوثيق الحدث، وكشفت عن تعرّضها للتحرّش الجسدي مرّتين خلال اعتقالها. من جهتها، قالت أبو غوش إن القمع شمل الضرب ورشّ غاز الفلفل والسحل، والضرب بـ«الحذاء العسكري»، لافتةً إلى أن عناصر الأمن انهالوا بالضرب على أربعة معتقلين داخل غرفة مغلقة، هم: الأسير المحرَّر هيثم سياج، الصحافي عقيل عواودة، باسل حبش، وشادي عميرة. ووصفت الكاتبة هند شريدة، بدورها، عقب الإفراج عنها، «الضرب بأنه وحشي جداً»، فيما أعلن زوجها بدء الإضراب عن الطعام والشراب رفضاً لاعتقاله. أما عمر عساف، فقال: «أي ّحريات؟ رجل أمن يهدّد شابّة بمسدس لسرقة هاتفها خشية كشف جريمته، يا للعار، لا يستخلصون الدروس»، ووجّه رسالة إلى رئيس الحكومة، محمد أشتية، قائلاً: «عن أيّ كرامة تتحدّث للمواطن، وأجهزتك الأمنية تمسك بالنساء من شعرهن وتسحلهن وتعتدي على الأطفال». وأفاد الناشط شادي عميرة بأنه اكتشف بعد الفحوصات الطبية إصابته بنزيف داخلي في القدم، فضلاً عن وجود كتلة دماء حول دماغه، ورضوض في مختلف أنحاء جسمه، جرّاء القمع الوحشي الذي تعرّض له.
ضمِنت السلطة تفريق الوقفة قبيل انطلاقها، بعدما حظرت مجرّد الوقوف على دوّار المنارة


مواقف حقوقية وفصائلية ندّدت بموجة القمع الأخيرة، إذ دانت «الجبهة الشعبية» «ما مارسته الأجهزة الأمنية من سحل واعتداء وتحرّش واعتقال بحق مواطنين ورموز وطنية»، داعيةً إلى معالجة جذرية لجريمة اغتيال نزار بنات عبر لجنة تحقيق وطنية تقود إلى إجراءات حاسمة ضدّ مرتكبيها. من جهتها، حذرت «شبكة المنظمات الأهلية» من الانزلاق إلى مربعات أكثر خطورة بسبب استمرار المسلسل غير المبرّر من التعديات على الحقوق والحريات وقمع المسيرات السلمية، محذرة من نتائج كارثية على المجتمع. وأعرب مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في فلسطين، بدوره، عن قلقه العميق إزاء استمرار أمن السلطة في فرض قيود على حرية التعبير والتجمّع وتنفيذ اعتقالات، داعياً «السلطة وأمنها إلى احترام وضمان حرية التعبير والتجمّع، والإفراج عن أيّ شخص معتقل على خلفية ممارسة هذه الحريات المحمية». ودانت حركة «حماس» و«الجبهة الديموقراطية» القمع والاعتقالات، وحمّلتا السلطة والحكومة المسؤولية كاملة، فيما اعتبرت الأخيرة أن عودة الهدوء والتخفيف من احتقان الشارع يكون بمحاسبة قَتَلة نزار بنات، وليس بالإصرار على القمع والاعتقال اللذين يؤدّيان إلى زيادة التوتّر في الشارع. من جانبها، شدّدت نقابة الأطباء على أن اعتقال أطباء على خلفية حرية الرأي «مرفوض ومخالف للقانون الأساسي، والأطباء هم جزء أساسي من المجتمع وكان لهم دور كبير، ولا يزال في تضميد جراح أبناء شعبنا في الانتفاضات والاجتياحات وفعاليات المقاومة الجماهيرية المختلفة».



أبرز المعتقلين
تكمن خطورة الهجمة القمعية الأخيرة في رمزية الناشطين الذين اعتقلهم أمن السلطة، قبل أن يقرّر الإفراج عنهم تحت الضغط الشعبي، باستثناء الأسير المحرَّر هيثم سياج؛ ومن أبرز المعتقلين:
- الصحافية والأسيرة المحرَّرة مَيْس أبو غوش، من مخيّم قلنديا شمال القدس المحتلّة. تعرّضت سابقاً للاعتقال على يد العدو، وهي شقيقة الشهيد حسين أبو غوش، ومتخرّجة في جامعة بيرزيت.
- الأسير المحرَّر والناشط أبي العابودي، يعمل في إدارة «مركز بيسان للبحوث».
- عمر عساف، قيادي وسياسي وعضو «التجمّع الديموقراطي الفلسطيني»، ومن المدافعين عن الحريات والحقوق.
- تيسير علي الزبري، قيادي سابق في «الجبهة الديموقراطية» ومناضل وسياسي، وشقيق الأمين العام السابق لـ«الجبهة الشعبية»، الشهيد أبو علي مصطفى.
- ديالا عايش، محامية وعضو في فريق «محامون من أجل العدالة» المختص بمتابعة الانتهاكات والاعتقالات المختلفة في فلسطين، وتحديداً في الضفة الغربية المحتلة.
- الصحافي عقيل عواودة من مدينة دورا جنوب الخليل، ويعمل في إذاعة «24 إف إم»، واعتقل أثناء تغطية التظاهرات.
- إسلام الفايز، إحدى الناشطات ضمن الحراك الرافض للضمان الاجتماعي قبل سنوات، وكانت مرشّحة للمجلس التشريعي في الانتخابات الملغاة أخيراً.
- الأسير المحرَّر والناشط هيثم سياج، رفيق الشهيد باسل الأعرج؛ اعتقل عدة مرّات لدى أمن السلطة وجيش العدو.
- الطبيبة ديما أمين، والمهندسة نادية حبش، اللتين حضرتا للتضامن مع صديقتهما هند شريدة، وللمطالبة بالإفراج عن زوجها والمعتقلين الآخرين. وحبش عضو بلدية رام الله وأستاذة الهندسة في جامعة بيرزيت، واختيرت ضمن قائمة أكثر 50 مهندساً معمارياً مؤثراً في الشرق الأوسط لعام 2019.
- الدكتور أسامة بدير، ناشط وطبيب أسنان.
- الدكتور خالد عودة الله، باحث وكاتب.