دخلت المعركة السياسية والانتخابية في العراق، خصوصاً بين رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي و»الحشد الشعبي»، فصلاً جديداً، مع الزجّ فيها بـ»سلاح» الكهرباء التي تتصدّر ما عداها من اهتمامات العراقيين راهناً، في ظلّ انغماس البلاد في أزمة عميقة، أدّت إلى انقطاع تامّ للخدمة قبل أيام. من وجهة نظر «تحالف الفتح»، الجناح السياسي لـ»الحشد الشعبي»، فإن ثمّة محاولة لاستغلال أزمة الكهرباء لتأجيل الانتخابات. وفي هذا الإطار، يقول القيادي في التحالف، أبو ميثاق المساري، في حديث إلى «الأخبار»، إن «هناك احتمالاً لتأجيل الانتخابات نتيجة سعي البعض لذلك، من خلال إحداث إرباك خدماتي عبر الكهرباء، تهيئةً للتأجيل». ويعتبر المساري أن «لا حظوظ أبداً للكاظمي للبقاء في منصبه بعد الانتخابات»، مضيفاً أن «الكتل السياسية المختلفة تعاهدت على طرده من خلال منعه من الترشّح للانتخابات النيابية». ويلفت إلى أنه «بخلاف كلّ تأكيدات جماعة الكاظمي، فإن رئيس الوزراء سوف يخوض الانتخابات بشكل غير مباشر عبر مقرّبين منه»، مستشهداً بـ»تأسيسه تيار المرحلة الذي اضطرّ لسحبه في ما بعد، تحت التهديد بإسقاط حكومته من قِبَل القوى السياسية التي أوصلته إلى رئاسة الحكومة».لكنّ مستشار الكاظمي لشؤون الانتخابات، عبد الحسين الهنداوي، ينفي التقارير التي تتحدّث عن تشجيع رئيس الوزراء مقرّبين منه على خوض الانتخابات، قائلاً في حديث إلى «الأخبار» إن «أيّ تقارير أو آراء تؤكد خوض الكاظمي للانتخابات المقبلة كجزء من تحالف سياسي أو أيّ صيغة أخرى، هي، على حدّ علمي، محض تكهنات ومحاولات جسّ نبض، وقد تُعبّر عن مخاوف أحياناً. بل يمكن اعتبارها بلا أساس، نظراً إلى أن الكاظمي أعلن أمام الملأ مراراً، وبلا مواربة، أنه لن يدخل التنافس في 10 تشرين الأول المقبل». ولكنّ الهنداوي لا ينكر وجود طموح لدى رئيس الوزراء في العمل السياسي، وأيضاً في دخول معترك الانتخابات، مستقبلاً، تأسيساً على تجربته الحالية في رئاسة الوزراء، معتبراً أن «نجاح العراق في أن تكون الانتخابات التشريعية المقبلة نزيهة وعادلة وتراعي المعايير الدولية، هو نجاح لحكومة الكاظمي، وبالتالي مكسب شخصي له، وقد يستفيد منه في حياته السياسية مستقبلاً، أو، إذا شاء، في انتخابات لاحقة غير المقبلة، وهو حق طبيعي بداهة».
وإذ يتفادى الهنداوي الإجابة مباشرة على سؤال في شأن ما إذا كان الكاظمي يسعى للبقاء في رئاسة الحكومة بعد الانتخابات المقبلة، فهو يقول إن «هذا سؤال مؤجّل وكذلك جوابه، إلى ما بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات، وما تسفر عنه من أحجام للقوى المشاركة فيها. وكلّ الاحتمالات قائمة». ويرى أن «تياراً عراقياً من أولوياته بناء دولة عراقية حديثة قوية وموحّدة وذات سيادة كاملة تماماً، وديمقراطية تماماً، ودولة حقوق مدنية تماماً، تعلي الانتماء الوطني وحده هوية للجميع (لكن تحترم الانتماءات الفرعية الدينية والقومية والطائفية والمناطقية وما شابه...) هو الذي سيفوز في الانتخابات العراقية عاجلاً أم آجلاً». لكن في المقابل، لا يتوقّع المساري أن تؤدي الانتخابات إلى تعديلات جذرية في الخارطة السياسية الحالية، بل إلى تغيير طفيف فقط في المشهد السياسي، مستدركاً بأنها يمكن أن تُخفّف من الفساد، خاصة إذا نجم عنها إقصاء بعض الوجوه الفاسدة. إلّا أن علاقة الانتخابات بالفساد تظلّ واقعاً جزئية فقط، فيما من غير المتوقع أن تُحدث هذه الدورة تحوّلاً جذرياً على هذا الصعيد.
تَحوّل ملفّ الكهرباء إلى مادّة أولى للحملات الانتخابية التي لم تبدأ رسمياً بعد


ومع استفحال أزمة الكهرباء، تحوّل هذا الملفّ إلى مادّة أولى للحملات الانتخابية التي لم تبدأ رسمياً بعد، بما في ذلك تحرّكات الكاظمي للتعامل مع هذه الأزمة.
وخلال كلمة في اجتماع الخلية التي شكّلها مع المحافظين، قال الكاظمي إن «ثمّة حملة شرسة من الجماعات الإرهابية لتفجير أبراج نقل الطاقة»، معتبراً أنه «يجب أن لا تلتقي مصالح الإرهاب مع مصالح البعض، تحت عنوان انتخابي». ونجمت مشكلة الكهرباء العراقية أساساً عن نقص الغاز اللازم لتشغيل محطات التوليد، وعن عمليات تخريب لمحطّات التوليد وأبراج الضغط العالي، وأيضاً عن فساد مستشرٍ في قطاعَي الطاقة والنفط. كذلك، تجري محاولات أميركية لإقحام العامل الإيراني في أزمة الكهرباء، باستخدام سيف العقوبات، من خلال التحكّم باستيراد الغاز واستجرار الطاقة من إيران. وهي محاولات يوازيها، وفق ما تظهره تقارير لوسائل إعلام غربية منها هيئة الإذاعة البريطانية « بي بي سي» ووكالة «أسوشيتد برس» وأخرى خليجية مِن مِثل قناة «العربية»، اشتغال علني على تحريض العراقيين على طهران، علماً أن واشنطن هي التي تستخدم العقوبات ضدّ الأخيرة سلاحاً لمنع العراق من التوسّع في استيراد الغاز واستجرار الطاقة من البلد الجار. وتتقاطع هذه الوقائع مع عمليات تخريب خطوط النقل وأبراج التوتر العالي التي ينفّذها تنظيم «داعش»، والتي كان أكبرها انفجار استهدف خطّاً ينقل 400 ميغاوات من الكهرباء من إيران إلى محافظة ديالى العراقية. وتُمثّل تلك الكمّية ثلث كمّية الكهرباء المنقولة من إيران إلى العراق، والتي بدورها تشكّل أقلّ من خمسة في المئة من الاستهلاك العراقي. وكانت الولايات المتحدة قد سمحت للحكومة العراقية بدفع قيمة مستوردات العراق من السلع والبضائع الإيرانية بالدولار، لكن من دون أن يشمل الاستثناء الغاز والكهرباء. ويصل الغاز الإيراني إلى العراق عبر خطَّي أنابيب إلى 4 محطّات لتوليد الكهرباء في البصرة والسماوة والناصرية وديالى. وبحسب «مركز إدارة معلومات الطاقة الأميركي»، فإن 23 في المئة من الكهرباء التي أنتجها العراق كانت بإمدادات الغاز القادمة من إيران خلال عام 2019، بينما استورد نحو 5 في المئة من حاجته من الكهرباء من إيران في العام المذكور نفسه.